Translate

Friday, February 12, 2016

التشريعات الإعلامية ومحاولات الهيمنة باسم الدستور! (١-٢) بقلم د. محمد نور فرحات ١٢/ ٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بينما فشل نظامنا التعليمى فى نشر المعرفة الحقة عند المصريين، وفى حفز قدرة شبابهم على التفكير والنقد والإبداع، وبينما عجزت مؤسسات الثقافة عن إشاعة التنوير وربط المواطن المصرى بما يموج به الفكر العالمى من تيارات، وفى الوقت الذى عزف فيه أغلب المصريين المهمومين بالرزق عن القراءة، اللهم إلا صفحات الوفيات والرياضة، وعمد الخطاب الدينى المنغلق إلى نشر حالة عامة من الجمود الفكرى والغيبية والتواكل والتوسل بتأدية الطقوس للالتفاف على المقاصد، لم يبق إلا الإعلام المرئى والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعى للقيام بالأدوار التى كان من المفترض أن تقوم بها مؤسسات التعليم والدين والثقافة فى تنوير العقل المصرى. ولكن ما حدث هو العكس تماماً.
كان الإعلام دائماً هماً من هموم الدولة المصرية الحديثة. وأنشأت الدولة فى الخمسينيات وزارة تسمى وزارة الإرشاد القومى تشرف على الإعلام، بما يعكس نظرتها إلى وظيفتها فى الوصاية على عقول المواطنين بإرشادهم إلى ما هو حق، وليس نشر المعرفة النقدية وتمكينهم من حرية التعبير. وظل تنظيم الصحافة والإعلام والهيمنة عليهما شأنا سياديا اعتبرته الدولة المصرية يتعلق بأمنها القومى فى مجتمع أغلبه من الأميين. وتركت الدولة الإعلام الشعبى فى الزوايا والمساجد وشرائط الكاسيت (سداحا مداحا) لجماعات الإسلام السياسى أو للمروجين للابتذال والخرافة. حتى كان ما كان، ووقعنا فى قلب فوهة البركان.
كانت هذه مقدمة ضرورية لأنبه إلى الأهمية التاريخية للنصوص الدستورية التقدمية فى دستور ٢٠١٤ بشأن الصحافة والإعلام، ولكن ما يجرى الآن خلف الكواليس هى محاولات أشبه بحومة الضباع لإجهاض مواد الدستور، والالتفاف على مضامينها والانقضاض على فريسة الصحافة. محاولات من أناس أصبح قهر الحريات لديهم وإجهاض أحلام التحرر من هيمنة الدولة الفاشلة، والعودة بمصر إلى الوراء نوعا من المهارة الحرفية أو الإدمان.
لم ينشغل واضعو دستور ٢٠١٤ بمثل ما انشغل به نظام السادات من مناورات ونفاق فى تعامله مع الإعلام والصحافة، بل وضعوا نصوصا جادة تكفل حريتهما بما يليق بتطلعات ثورة يناير ٢٠١١.
المادة ٧٠ من الدستور تحدثت عن حرية الصحافة والإعلام وعن حق المصريين فى ملكية الصحف ووسائل الإعلام. المادة ٧١ حظرت كأصل عام فرض الرقابة، وحظرت توقيع العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية (وهذه بالمناسبة من الأحكام الدستورية التى يجب أن تطبق تطبيقاً مباشراً دون حاجة لانتظار تشريع يصدر بذلك). والمادة ٧٢ تكفل استقلال الصحف ووسائل الإعلام المملوكة للدولة وحيادها.
ثم جاءت المواد من ٢١١ إلى ٢١٣ لتتحدث عن إنشاء وتنظيم الهيئات والمجالس المسؤولة عن الإعلام. المادة ٢١١ استحدثت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وجعلته مسؤولا عن حماية حرية الصحافة والإعلام المقررة فى الدستور. والمادة ٢١٢ استحدثت الهيئة الوطنية للصحافة بديلاً عن المجلس الأعلى للصحافة الموجود حاليا. المادة ٢١٣ استحدثت الهيئة الوطنية للإعلام بديلاً عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
منذ صدور الدستور فرضت مسألة إعداد التشريعات الإعلامية المنفذة للدستور نفسها على أهل المهنة وعلى الدولة. بادرت حكومة المهندس إبراهيم محلب إلى انتزاع اختصاص وضع هذه التشريعات بالذات من اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، وشكلت لجنة حكومية خاصة لوضعها. ومثل ما حدث فى سنة ١٩٩٦ استشعر أهل المهنة نية الحكومة فى الانقضاض على الحريات الصحفية فبادروا بالاجتماع برئيس الوزراء، واتفقوا معه على تجميد عمل اللجنة الحكومية. وتركت الحكومة للإعلاميين والصحفيين ممثلين فى نقاباتهم وفى المجلس الأعلى للصحافة أمر تشكيل لجنة تقوم على اقتراح صياغة محددة لمشروع قانون موحد منظم للصحافة والإعلام ومجالسها الثلاثة نفاذاً للدستور.
وفعلاً تشكلت لجنة من خمسين عضواً ممثلين لمختلف المهن الإعلامية والخبرات القانونية، وتفرعت عنها لجان فرعية. اجتمعت اللجنة العامة وفروعها اجتماعات متتالية لما يزيد على العام. ووضعت مشروعين: أحدهما بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية، وآخر لتنظيم الصحافة والإعلام ومجالسها. ونوقش المشروعان فى المؤسسات الصحفية والإعلامية، وتلافت لجان الصياغة ما أبداه البعض من ملاحظات. وانتهت إلى صياغة نهائية سلمت للحكومة للدراسة وبدء إجراءات الإصدار.

No comments:

Post a Comment