Translate

Saturday, February 27, 2016

بردية آنى فى المتحف البريطانى! بقلم د. وسيم السيسى ٢٧/ ٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

أتقدم باعتذارى للزميل العزيز الأستاذ جمال أبوالحسن، فقد وصلتنى رسالتكم الممتلئة حباً وحضارة، تحققت أن بكم من اسمكم نصيبين: الجمال والحسن، وأرجو أن تغفر لى غيرتى وانفعالى، ومنذ اليوم فنحن صديقان، لكم فى قلبى مكان ومكانة العمر كله.
قبل أن أحدثكم عن محاكمة الروح فى مصر القديمة، دعونى أحدثكم عن بردية الحكيم آنى صاحب بردية: الخروج إلى النهار PER M HRW، وقد ترجمها العالم LEPSIUS الألمانى: كتاب الموتى أو TOTEN BUCH لأنها وجدت فى المقابر!! إنها نصوص جنائزية سميت متون الأهرام، ثم أصبحت تكتب داخل غطاء التوابيت، ثم أصبحت تكتب فى برديات وتوضع داخل تمثال لملاك الموت: سكر، وجاءت من هذه الكلمة سكرات الموت، وملاك الموت صقر!
بردية الحكيم آنى لها قصة مؤلمة وطريفة فى نفس الوقت! عالم المصريات البريطانى والاس بادج كان صديقاً لأسرة عبدالرسول، اشترى منهم بردية غاية فى الروعة «١٨٨١م الأقصر»، حفظها فى مخزن له ملاصق لحديقة فندق الأقصر، جاءت الشرطة وشمعت المخزن بالشمع الأحمر لأنها سرقة!
اتفق والاس مع بعض العمال، ألبسهم لبس جناينية GARDENERS، تظاهروا بالعمل فى حديقة فندق الأقصر! وعند المساء كانوا يحفرون سرداباً تحت المخزن من الجهة الخلفية، سرق والاس البردية وأرسلها للميناء البحرى السكندرى الذى كان بمنأى عن السلطات المصرية، وأرسلت للمتحف البريطانى، هذه البردية طولها ٢٣.٦ متر، وعرضها ٣٩ سم، وهى مكتوبة بالخط الهيراطيقى، وهى من أجمل البرديات.
فى كل نسخ كتب الموتى تدخل نفس المتوفى إلى قاعة الحساب يسوقها أحد الملائكة، وفى القرآن الكريم: وجاءت كل نفس معها سائق ق/٢١، يستهل المتوفى أول فقرة من فصل إنكار الخطايا: لم أرتكب إثماً، وفى القرآن: «إنما حرم ربى.. والإثم»، الأعراف ٣٣، يقول الحكيم آنى أمام محكمة العدل الإلهية: لم أرتكب الفحشاء، وفى القرآن: إنما حرم ربى الفواحش: الأعراف ٢٣، ثم يقول: إنى لم أقتل، وفى القرآن: ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق، الإسراء ٣٣، وفى الوصايا العشر لموسى: لا تقتل، ثم يقول آنى: لم أسرق، وقال موسى لا تسرق، وفى الحديث عن أبى هريرة: لعن الله السارق، وكان القدماء يقطعون يد السارق أو السارقة وجاء فى القرآن: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، المائدة ٣٨.
يقول آنى: لم أرتكب الزنى، ويقول موسى: لا تزن، وفى القرآن: ولا تقربوا الزنى، الإسراء ٣٢.
يقول آنى: لم أكن متصنتاً، وفى نسخة أخرى من كتاب الموتى: لم أتجسس، وفى القرآن: ولا تجسسوا، الحجرات ١٢.
ثم يقول آنى: إنى لم أتكلم كذباً، وفى القرآن: فنجعل لعنة الله على الكاذبين، آل عمران ٦١، ولا نجد لا تكذب فى وصايا موسى العشر، مما دعا جيمس هنرى برستد أن يقول: قانون الأخلاق فى مصر القديمة أسمى بكثير من الوصايا العشر، وأى قانون أخلاقى ليس فيه لا تكذب، إنما هو قانون أخلاقى ناقص «برستد فجر الضمير ص١٠» يقول آنى: لم أكن شاهد زور، وفى التوراة لا تشهد بالزور، وفى القرآن: واجتنبوا قول الزور، الحج ٣٠.
أكتفى بهذا القدر من محاكمة الروح، على أن أكمل الأسبوع المقبل، وذلك حتى أطيب خاطر زميلى الدكتور يحيى نور الدين طراف، هو زعلان منى عشان كلمة جحافل فى أحد أبيات الشعر، ولم يكلف خاطره فى سؤالى حتى يعرف أنها خطأ مطبعى من الجريدة، وأنا كتبتها محافل، هو أيضاً زعلان من قولى: وليس أخو جهل كمن هو عالم، وصحتها: وليس أخو علم كمن هو جاهل.. لم تفرق كثيراً يا أخ يحيى.. نفس المعنى - صحيح القافية تختل.. وربما كنت وأنا أكتب من الذاكرة متأثراً بقول أبوالطيب المتنبى:
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله
وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم
لم أتلق منك قبل إلا رسالة واحدة تطالب بالمراجع وكأنى المفروض أكتب رسالة علمية وليس مقالة صحفية، ولولا أنها رسالة أحسست فيها بالكراهية وعدم الموضوعية، لسارعت بالرد عليك، تقول: أخطائى التراثية.. أتحداك أن تذكر منها واحدة، ولكنك دائماً تمسك فى القشور وتبتعد عن المضمون، وأنا لا أعرف ما سر كراهيتك لى؟ ولو كنت منصفاً، رقيقاً فى كلماتك لكان ردى عليك بنفس الرقة والموضوعية، أخيراً ذهب رجل لسقراط وقال له: والله يا سقراط: لو كلمتنى واحدة، لشتمتك عشرا، رد سقراط قائلاً: والله يا رجل لو شتمتنى عشرا، ما رددت عليك واحدة، شكراً أيها الزميل العزيز.

No comments:

Post a Comment