Translate

Tuesday, October 11, 2016

١٥٠ سنة برلمان - د. عماد جاد -- جريدة الوطن - 11/10/2016



انتقل مجلس النواب بكامله إلى مدينة شرم الشيخ للاحتفال بذكرى مرور مائة وخمسين عاماً على بدء الحياة البرلمانية فى مصر التى بدأت فى عهد الخديو إسماعيل عام ١٨٦٦، لتكون مصر بذلك خامس دولة فى العالم، فى ذلك الوقت، تبدأ الحياة البرلمانية بعد بريطانيا، فرنسا، اليونان والولايات المتحدة الأمريكية. طبعاً الحياة البرلمانية عندما بدأت لم تكن كتلك القائمة فى العالم اليوم، بل كانت شكلاً من أشكال الاستشارة للحاكم، تطورت لاحقاً لتأخذ شكل البتّ فى القوانين والتشريعات، المهم هنا هو أن مصر كانت من أول خمس دول فى العالم أخذت بهذا الشكل الذى تطور لاحقاً وصولاً إلى برلمان فاعل وقوى فى مواجهة الملك، إلى أن جاءت ثورة يوليو ١٩٥٢ فجمّدت الحياة البرلمانية فى البلاد حتى عادت تدريجياً فى عهد السادات بفكرة المنابر التى تطورت إلى أحزاب وصولاً إلى البرلمان الحالى الذى جاء نتيجة انتخابات حرة نزيهة ويسلك طريقه على نحو حثيث لممارسة دوره المنوط به.
وكعادتنا فى مصر كلما حدث تطور إيجابى أو تحقق إنجاز ما، تبدأ حملة من التشكيك وإثارة قضايا لا علاقة لها بالحقيقة، ففى البداية ظهرت حملة تقول إن الاحتفال فى مدينة شرم الشيخ مبالغ فيه جداً، وإنه بدلاً من الإنفاق والبذخ من ميزانية الدولة كان ينبغى قصر الاحتفال على جلسة فى مقر البرلمان، فلماذا السفر والإقامة فى فنادق شرم الشيخ وتكليف ميزانية الدولة مبالغ باهظة فى وقت نحن فى أمسّ الحاجة فيه لكل جنيه؟
والحقيقة أن ميزانية الدولة والمجلس لم تتحمل مليماً واحداً، فقد تكفل اتحاد الغرف التجارية بالإنفاق على المناسبة بالكامل، وجاء رد يقول: ومن أين تأتى أموال اتحاد الغرف؟ فرددنا بأنه من الشركات الخاصة العاملة فى كافة مجالات التجارة والخدمات، بما فيها غرفة صناعة السياحة، وأن الهدف الحقيقى كان إقامة احتفال يليق بالذكرى من ناحية وأن يقام فى مدينة شرم الشيخ حتى تأتى وفود البرلمانين العربى والأفريقى إلى مدينة السلام وترى الجمال والهدوء والأمن، فيكون ذلك بمثابة نوع من الدعاية للسياحة فى مدينة شرم الشيخ التى تعانى وتئن من غياب السياح ووقف الحال. أيضاً فإن إقامة الاحتفالية فى القاهرة كانت ستُحدث حالات ازدحام وتعطيل للمرور بسبب مشاركة وفود كبيرة من البرلمانين العربى والأفريقى وكل أعضاء البرلمان المصرى والرئيس ومعظم الحكومة، وهو أمر كان سيؤثر على حركة السير فى القاهرة فى وقت تشهد فيه العاصمة اختناقات مرورية مع عودة المدارس.
طبعاً هناك من واصل ترديد الاتهامات للبرلمان بالبذخ فى الإنفاق، وقد تلقّف إعلام الجماعة اللاجئ لقطر وتركيا هذا الجدل ونفخ فيه وبدأ ينسج قصصاً من وحى الخيال ليثبت من خلالها أن البرلمان والحكومة لا يشعرون بالشعب وأنهم يعيشون حالة بذخ وإنفاق فى وقت يطلبون فيه من الشعب التقشف لعبور المرحلة الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى، وردى هنا هو أن مصر دولة إقليمية كبرى، وأننا مجتمع متوسطى ينتمى لثقافة البحر الأبيض المتوسط بتنوعها وعراقتها، وأننا إذا كنا نمر بظروف اقتصادية صعبة، فهى ظروف مؤقتة نتيجة ما شهدته البلاد على مدار السنوات القليلة الماضية، وأن ذلك لا ينبغى أن يقلل من ثقتنا فى أنفسنا وقدرتنا على عبور هذه المرحلة واستكمال مسيرة التحول الديمقراطى وبناء تجربة مصرية جديدة.

No comments:

Post a Comment