Translate

Sunday, October 2, 2016

قانون «جاستا» (٢) - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 3/10/2016


لم يصدر عن السعودية أى رد فعل رسمى أو علنى على القانون، غاية ما حدث هو أن وزير الخارجية عادل الجبير، حاول الإشارة إلى المخاطر المترتبة على صدور القانون على الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية فى المنطقة، وهى الإشارة التى لم تأخذها واشنطن مأخذ الجد فى حين صدورها. كان واضحاً أن السعودية بنت حساباتها على «الفيتو الرئاسى»، فمن حق الرئيس الاعتراض على القانون من خلال استخدام الفيتو، وهنا يصبح القانون وكأنه لم يكن، أو يتجاوزه الكونجرس ويبطل مفعول الفيتو الرئاسى بغالبية ثلثى الأصوات، وهى عملية تستغرق فى العادة مدة ليست بقصيرة، لكن ما حدث أنه فى وقت قصير للغاية أبطل الكونجرس الفيتو الرئاسى بغالبية ساحقة تجاوزت ٩٩٪ فى مجلس الشيوخ، وفاقت ٨٠٪ فى مجلس النواب ومن ثم أصبح القانون سارياً بالفعل.
المؤكد بداية أن صدور القانون بالأغلبية غير المسبوقة يعنى أن قراراً على أعلى مستوى فى مؤسسات الدولة الأمريكية قد اتخذ بفض الشراكة الممتدة مع السعودية، والسماح بتفاعلات داخلية وإقليمية تقود إلى اضطرابات فى المملكة قد تصل إلى درجة التفكك، يرجح من ذلك ضعف الأوراق الموجودة بيد السعودية وقلة الحيلة التى تشعر بها فى التعامل مع «طعنة غدر» ممن اعتبرته الحليف الاستراتيجى، فالأوضاع داخل المملكة تشهد توترات والمنطقة الشرقية جاهزة للتفاعل مع أى نوع من الاضطراب أو التحريض الإيرانى، وسياسات المملكة منذ تأسيسها لم تترك لها حليفاً استراتيجياً فى المنطقة، ومؤخراً أرسلت المملكة قواتها إلى اليمن فى حرب أنهكت قدراتها واستنزفت نحو ٤٥ مليار دولار حتى اليوم، ودعمت المعارضة السورية المسلحة نكاية فى بشار الأسد، وتمارس دوراً فى العراق، وأخيراً تتعاون مع جماعات مسلحة فى ليبيا قريبة من جماعة الإخوان، كل هذه التصرفات وضعتها فى مواجهة إيران وحليفتها روسيا الاتحادية، كما أن الاستغراق فى العمل مع السياسة الأمريكية، لا سيما فى مرحلة الحرب الباردة وتحديداً لعب دور فاعل فى تشكيل جماعة المجاهدين التى سافرت إلى أفغانستان بعد الغزو السوفييتى لها عام ١٩٧٩، وقتال القوات السوفييتية هناك. أدى كل ذلك مع التعاون الاستراتيجى الإيرانى الروسى، ثم الانفتاح الأمريكى على إيران بعد توقيع الاتفاق النووى، إلى سقوط السعودية من بين حلفاء واشنطن الاستراتيجيين، وهنا يبدو الموقف معقداً للغاية، فمن ناحية لا يوجد عالم عربى متماسك يمكنه فيه دعم المملكة بشكل مؤثر. سوف نسمع تصريحات ونرى بيانات شجب وإدانة واتهام لواشنطن بالبلطجة، وهو اتهام صحيح، ولكنها العلاقات الدولية التى تقوم على المصالح لا الصداقات، وتخضع لمنطق القوة، فقديماً قال الرومان: «القوة تخلق الحق وتحميه»، ومن ثم لا يوقف واشنطن إلا القوة التى لا يملكها العرب اليوم، ومن يملك هذه القوة القادرة على وقف واشنطن، وهى موسكو وبكين، لا يوجد ما يدفعهما لفعل ذلك، فالقضية فى جوهرها بالنسبة لهما هى خلاف بين حليفين كانا خصمين لهما، صحيح أن هناك بدايات لتعاون اقتصادى روسى - سعودى- خليجى، إلا إن الصحيح أيضاً أن التناقضات بين موسكو والرياض كبيرة للغاية حول إيران، سوريا، اليمن وليبيا أيضاً.
مشكلة المملكة العربية السعودية أنها لم تضع فى حسبانها تغير مصالح واشنطن فى المنطقة، ومن ثم لم تنوع فى علاقاتها الدولية، إضافة إلى أنها أرسلت قواتها جنوباً وتدخلت شمالاً، ولا تفعل ذلك إلا القوى الكبرى، فزادت النفقات واستهلكت الكثير من الاحتياطى النقدى، فى وقت تراجعت فيه أسعار النفط وتوافرت بدائل كثيرة له، وفى تقديرى أن هامش الحركة المتاح أمام المملكة اليوم هو هامش انكماشى وليس توسعياً وتمددياً، ولملمة الأوراق المبعثرة والتوصل إلى حلول وسط مع واشنطن.

No comments:

Post a Comment