Translate

Tuesday, October 25, 2016

الدكتور مراد وهبة المفكر الكبير فى حوار لـ«المصري اليوم»: «عبدالناصر» وراء تغلغل الإخوان فى المنظومة التعليمية (١-٢) - ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٦

تصوير- أدهم خورشيد
وهبه أثناء حواره لـ «المصرى اليوم»
انطلق حوارنا مع الفيلسوف الدكتور مراد وهبة من ثلاثة محاور، الشخصى، والسياسى والمعرفى، وكان الهدف تقديم قراءة منهجية، وتاريخية، ومعاصرة من منظوره للمشهد العربى الراهن، وما استجد عليه من أمور معقدة، وعصية على التفسير.
الدكتور وهبة أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، وعضو فى مجموعة من الأكاديميات والمنظمات الدولية، ومؤسس ورئيس الجمعية الدولية لابن رشد، والتنوير فى ١٩٩٤، وورد اسمه فى موسوعة الشخصيات العالمية من بين الـ ٥٠٠ شخصية الأكثر شهرة فى العالم، كما أنه عضو فى عدة منظمات دولية، وأكاديمية وإنسانية وفلسفية، إضافة إلى المجلس الأعلى للثقافة.
للدكتور مراد وهبة العديد من الكتب التى أثرت فى الفلسفة المصرية والعالمية مثل «المذهب فى فلسفة برجسون» و«محاورات فلسفية فى موسكو» و«فلسفة الإبداع» و«مستقبل الأخلاق» و«جرثومة التخلف» و«ملاك الحقيقة المطلقة» و«الأصولية والعلمانية» وكلها تركز على العقلية العربية ومصادر تخلفها وتداعيات هذا التخلف.
وفى هذا اللقاء مع الفيلسوف المثير للجدل دوما لم يكن مفر من الجرأة والمكاشفة فى الأسئلة والإجابات، وبلا أى مواربة سواء تعلق الأمر ببعض المؤسسات المعرفية الرسمية أو بالأسماء المعروفة فى المشهدين السياسى والثقافى، أو بأفكار الدكتور مراد وهبة نفسه!، إنه حوار للعامة والخاصة معا فلا معنى لفكر أو فلسفة أو صحافة لا تقود إلى رفاهية الإنسان والأوطان فى النهاية.. وإلى نص الحوار:
■ أخذت الحركات «الأصولية» وأعلى مراحلها الإرهاب أشكالا مختلفة من عهد إلى آخر، فكيف ترصد وتحلل العلاقة بين الإخوان وجماعات الإسلام السياسى عموما وبين كل من عبدالناصر والسادات وصولا إلى مبارك؟
- أبدأ من النظام الملكى وأنا كنت ضده وكنت أتساءل: إذا كان الجيش مع الملك فكيف تقوم الثورة ضد الأوضاع القائمة آنذاك، التى كانت متأزمة، كما أن المثقفين كانوا منقسمين بين إخوان ويسار وشيوعيين وأصابنى الاكتئاب، فإذا بى أرى الثورة تقوم على يد الجيش. وقبل ١٩٥٢ أصدر كمال أتاتورك فى ١٩٢٤ قرارا بإلغاء الخلافة الإسلامية وبدأ حلم إحياء الخلافة يخايل كثيرين، منهم ملك مصر وأصدر على عبدالرازق كتابه «الإسلام وأصول الحكم» فى عام ١٩٢٥ اعتبر فيه الخلافة الإسلامية «وهما» وهذا الكتاب كان فى حقيقته تأييدا لكمال أتاتورك لمنع الخلافة فى مصر وكأنه كتب لمنع الخلافة الإسلامية فى مصر، وفى محاكمة عبدالرازق فإن هيئة كبار العلماء فى الأزهر بالإجماع صادرت الكتاب واتهمته بالكفر لأنه أنكر الخلافة الإسلامية وليس لأنه ينكر الإسلام.
■ وبعد يوليو ١٩٥٢؟
- فى عام ١٩٥٤ بعد ثورة يوليو كان الاحتكاك العنيف بين عبدالناصر والإخوان، وعبدالناصر كان عضوا فى «حدتو» الشيوعية وفى جماعة الإخوان أيضا، وكان رأيى أنه كان يحاول فهم الاثنين لتحقيق توليفة ثورية ووطنية، وكان لى قريب مدرس لغة إنجليزية كان يدرس اللغة الانجليزية لعبدالناصر فى مدرسة النهضة بالفجالة كان يناقشه فى الكثير من الأمور السياسية، كما كان زعيما لطلبة المدرسة وبعد الثورة بأسبوعين سألنى قريبى هذا (فكرى إبراهيم) من قام بالثورة؟ فقلت محمد نجيب، فقال لى: «لأ وإنما عبدالناصر»، فقلت لماذا؟، فقال: «لأننى قابلته قبل الثورة بأيام فى سوق روض الفرج وسألته إزى الحال فقال له ناصر قريبا ستسمع أخبارا جيدة».
■ أنت قلت ما معناه أن عبدالناصر لم يختلف إسلاميا وفكريا مع الإخوان إنما اختلف مع تطلعاتهم السياسية؟
- الصدام الحقيقى بين ناصر والإخوان بدأ بين عبدالرازق السنهورى باشا الحاصل على الدكتوراه من السوربون فى الخلافة الإسلامية، ولما أنشئت الجامعة العربية قال السنهورى «سموها الجامعة العربية فليكن ولكن جذورها إسلامية»، فكان الاحتكاك العنيف بين ناصر والسنهورى وأهين السنهورى، وظللت أرقب الموقف للتأكد من وجهة نظرى ففى ١٩٦١ قرأت كتابا بعنوان «الكنائس والتغير الاجتماعى السريع»، صادرا عن مجلس الكنائس العالمى ووجدت فيه تحريضا واضحا للأقباط للثورة على عبدالناصر بزعم أنه يضطهدهم، وأن الدعوة إلى القومية والتصنيع تؤدى إلى الكفر ومجلس الكنائس العالمى حصل على تمويل من روكفلر الرأسمالى الأمريكى بمليونين ونصف مليون دولار لإنجاز دراسة عن العالم الثالث، وقد هاجمت المجلس بعنف فيما يشبه النشرات أو المذكرات التى أصدرها لى الأب متى المسكين مما أحدث صداما بينه وبين الكنائس العالمية، واجتمع المجلس فى باريس وأرسل مذكرة لوزير الداخلية (آنذاك) زكريا محيى الدين شديدة اللهجة بسبب الهجوم على المجلس واستدعى عبدالناصر صحفيا مقربا منه وهو سامى داود ليطلب منه الذهاب لمقابلتى.
■ ماذا قال لك مندوب عبدالناصر وقتها؟
- سألنى لماذا فعلت هذا؟ وكان قد جاءنى قبل وصول تقرير من المخابرات لناصر. وأؤكد مجددا أن الخلاف بين ناصر والإخوان ليس فكريا فقد قابل ناصر الهضيبى مرشد الإخوان قبل الثورة بأسبوعين وطالبه الهضيبى بتأجيل الثورة حتى يتمكن الإخوان من التغلغل فى المنظومة التعليمية فقال له ناصر «إحنا مستعجلين ولكننى أعدك بتطبيق مبادئ الإخوان ومنهج الإخوان فى التعليم»، وكان هذا باديا فى عهد كمال الدين حسين ومن بعده السيد يوسف، وقرر كمال الدين حسين إلغاء مادة الفلسفة فى التعليم الثانوى، وعملت حملة ضده فى صفحة الأدب التى كنت أشرف عليها بجريدة وطنى وكتب فيها الأساتذة زكى نجيب محمود ويوسف مراد وعثمان أمين، وكتب عزيز ميرزا رئيس تحرير الجريدة افتتاحية يهاجم فيها القرار وبعد شهر ألغى ناصر قرار كمال الدين حسين وأعاد الفلسفة للدراسة. ولكن فى عام ١٩٦٤ كان هناك من يحكم بينما ناصر كان بعيداً عن التأثير الذى نتصوره.
■ كيف؟
-هناك حادثة وقعت فى ١٩٦٤ حيث قام شمس بدران من مكتبه بالإتصال تليفونياً بعبدالناصر وقاله له إنه يستطيع إقالته من الرئاسة وهو فى مكتبه لأن ناصر كان مصمما على التدخل فى ترقية الضباط العظام إلا أن شمس بدران وعبدالحكيم عامر اعترضا على هذا التدخل.
■ ألا تنطوى هذه القصة على كثير من المبالغة؟
- أقول إنه فى ١٩٦٥ أسس عبدالناصر التنظيم الطليعى ومجلة الطليعة وكان هو صاحب الامتياز فهل يعقل أن يكون رئيس دولة يصفه البعض بأنه ديكتاتور يلجأ لتأسيس مجلة ويمنع هيكل من مراقبة هذه المجلة وهى داخل الأهرام؟، وهل يمكن أن يكون ديكتاتورا و«يتفشكل منه» الاتحاد الاشتراكى فيؤسس تنظيما سريا؟، هذه الطريقة يقوم بها رجل خارج السلطة وليس رجلا على رأس السلطة مما يعنى أن ناصر فى تلك المرحلة كان خارج السلطة.
■ ألم تضع فى اعتبارك أن عبدالناصر كان «مدرس تكتيك» فى مدرسة الأركان، فهو مناور وقد لجأ للإخوان قبل إعلان الثورة كعمل تكتيكى ليأمن شرهم أكثر من كونه قريباً من أفكارهم؟
- نعم لكنه لم يكن ضد فكر الإخوان!
■ الأغلبية ترى أنه كان ضد فكر الإخوان وتنظيمهم بل انتقد سياقهم الفكرى فى أكثر من خطاب له، كما أنه لم يكن خارج السلطة بدليل إقالته لعامر وبدران وغيرهما؟
- مرة أخرى أرى أنه لم يكن فى السلطة بدليل تأسيسه للتنظيم والمجلة، وأنا فى المجلة عملت ملحقا مستقلا اسمه «الفلسفة والعلم» لتغيير الذهنية، وكتبت مقدمة فيها فقرة عن العلمانية فإذا بى أفاجأ برفع فقرة العلمانية بزعم أنها كان من شأنها أن تغلق المجلة مما يعنى أن النظام كان يعمل لحساب الإخوان والقوى المحافظة. لقد قال لى أستاذى فى علم النفس يوسف مراد بعد الثورة إن عبدالناصر قال له ستسافر إلى فرنسا لمعرفة الاختبارات التى يمكن إجراؤها لترقية الضباط العظام، وقبل سفره قال لى «ستكون معى فى هذه الاختبارات»، وسافر يوسف مراد لستة أشهر وعاد ووجد مكتبه مغلقا بالشمع الأحمر وظنى أن شمس بدران هو من قام بهذا ليظل مسيطرا على معايير الترقى، كما أن مشروع معهد الضباط العظام لم يتم إنشاؤه وحولوا يوسف مراد إلى لجنة تطهير ولكن تمت تبرئته. هذا دليل آخر على وجود ناصر- بمعنى من المعانى- خارج السلطة.
■ هناك فارق بين كونه يتحسب للتيار المحافظ وبين أنه عاجز بسبب سلطة الإخوان أو سلطة شمس بدران والدليل أنه اهتم كثيرا برأيك فى تطوير التعليم؟
- فى ١٩٦٩ كان أحمد بهاء الدين رئيس تحرير المصور وطلب منه جمال عبدالناصر فتح ملف عن التعليم، وطلب منه أن يجعلنى أشارك فى الملف وكتب بهاء الدين مقدمة ممتازة للملف واستمر الملف لمدة شهر، وبعد قليل صرت مستشارا سريا لعبدالناصر فى شأن التعليم وكان لى مكتب فى الرئاسة ويعرض علىّ ورق أبدى رأيا فيه ولكن لا أقابل أحدا!، لماذا سرى؟ وما الخطورة؟. كان ناصر قد قام بتعيينى فى معهد الدراسات الاشتراكية وقال لهم إن تعيينى بغرض تدريب الطلبة على طريقة التفكير الفلسفى. مدير المعهد الدكتور فوزى منصور وهو ماركسى متزمت قال «بدلا من تضييع الوقت فى إملاء المحاضرات الأفضل أن نقوم بطباعتها» وقد كان. إلا أن محاضراتى لم تطبع. وقال فوزى منصور لو طبعناها لتم إغلاق المعهد. مرة أخرى تأكدت من تغلغل الإخوان الذى وصل إلى هذا المعهد والتحكم فيه سرا.
■ أنت قلت إن فوزى منصور ماركسى متشدد فكيف استجاب لتحكم الإخوان؟
- ما رأيك أننى الوحيد فى اليسار الذى كنت أهاجم الإخوان فى عهد مبارك وكان جميع اليسار بأطيافه ضدى واتهمونى بأننى مصاب بفوبيا الإخوان، وحين أنشئ حزب التجمع ضم «إخوان» و«يسار» وماركسيين وقوميين ولم يعرض علىّ أن أكون عضواً به.
■ حزب العمل ومن قبله حزب الوفد عند التأسيس ضما عددا كبيرا من الكوادر الإخوانية وأيضا الأقباط؟
- نعم وهناك مركز أنشئ فى كاتدرائية الأنبا رويس كان يتردد عليه الإسلاميون من عينة الدكتور محمد عمارة وطارق البشرى وسليم العوا وكونوا مجموعة إسلامية داخل هذا المركز القبطى فيا للعجب!
■ الفكر المحافظ يتوافق مع بعضه البعض تماما مثل واقعة وفد كوبنهاجن حين وقف كادر حماسى ضدك وأيده حاخام أيضا.. لكن لنعد إلى ناصر والإخوان والتعليم؟
- أقول بدأ الوعى الأخير لعبد الناصر فى ١٩٧٠ عندما أيقن أن التعليم قد أصابه الانحطاط بسبب التخريب الإخوانى عندما تغلغلوا فيه وتملكوا منه.
لقد كان عبدالناصر يطلب من إسماعيل صبرى حين يسافر أن يشترى له كتبا معه وهو الذى عين إسماعيل صبرى مديرا لدار المعارف واختارنى إسماعيل صبرى مستشارا للدار وألفت كتاب «قصة الفلسفة» فقال المسؤول عن النشر «الأفضل أن تؤثر السلامة وتغير ما ورد فى هذا الكتاب» ورفضت إلا أن إسماعيل صبرى أصر على النشر فنشر.
■ السادات غازل الإسلاميين واستقوى بهم فى مواجهة خصومه ثم توحش الإخوان فى عهده فضلا عن التيارات التكفيرية وانتهى شهر العسل بمقتل السادات ذاته؟
- أريد أن أذكر نقطة مهمة تفسر موقف السادات، حين هاجمت مجلس الكنائس العالمى وبدأت أقرأ فوجدت أن جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكى، ألف كتابا بعنوان حرب أم سلام فى عام ١٩٥٠ قال فيه إن العدو الأساسى هو الحزب الشيوعى السوفيتى، وعلى وجه الدقة ستالين، وبالتالى علينا القضاء على ستالين والحزب الشيوعى بطريقتين الأولى تقديم معونات عسكرية واقتصادية، وهذه طريقة سلبية أما الطريقة الإيجابية فهى توحيد جميع القوى الدينية فى العالم ضد التيار الشيوعى، وتم تنفيذ ما جاء فى الكتاب بحذافيره، بدعوى أن الشيوعيين كفار وتم إنشاء المجلس العالمى للكنائس والمركز الإسلامى برئاسة سعيد رمضان، وهما موجودان فى جنيف بسويسرا فى مواجهة بعضهما، والتعاون تام بينهما وعقد اجتماع للمركزين فى لبنان فى ١٩٥٤ وكان فيه سعيد رمضان والأنبا صمويل أسقف الخدمات، وقررا تدريس مادة الدين كمادة أساسية، فالتحالف بين المؤسستين المسيحية والإسلامية بدأ فى ١٩٥٤ ثم اجتمعتا فى جنيف فى ١٩٦١ ما يؤيد القول بأن القوى الدينية ستلعب دورا رئيسيا فى مجريات الأمور على مستوى العالم واستثمار الغرب لهذا، وهذا دور مدعوم من أمريكا ولاحقا من دول أوروبية وعربية..
■ لنعد إلى السادات؟
- السادات دعا ١٠٠٠ أستاذ جامعى لاجتماع بالقاعة الكبرى بجامعة القاهرة وكان لايزال جديدا على مقعد الرئاسة وبحضور على صبرى وحسين الشافعى وكنت حاضرا، وإذا به يقول لنا: أنا أفكر فى الإفراج عن الإخوان المعتقلين وأريد رأيكم؟ وصمت على صبرى وحسين الشافعى، وكان ما يدور فى ذهن السادات مقدمة لما جاء بعد ذلك من إطلاق الوحش مبكرا.
■ تحدثت كثيراً عن تحالف الرأسمالية الطفيلية مع الإسلاميين لهزيمة المشروع التقدمى الناصرى.. ما دليلك على ذلك؟
- فى ١٩٧٦ دعيت من جامعة هارفارد لإجراء حوارات مع أساتذتها وهناك التقيت أستاذ اقتصاد خبيرا فى الاقتصاد المصرى. قلت له إنكم قمتم بشىء عجيب حينما جئتم إلى مصر بدلا من السوفييت دعمتم الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية وهى التى ضد الرأسمالية المستنيرة. والسؤال لماذا؟ فكان جوابه هذا الدعم كان مقصوداً لتدمير القطاع العام ثم تأسيس القطاع الخاص. وكان ردى على ذلك أن هذا الدعم سيفرز قيماً طفيلية لن تسمح بقيام قطاع خاص مستنير. وكان أحمد بهاء الدين قد وصف الانفتاح الاقتصادى الذى صدر بقرار من الرئيس السادات بأنه «سداح مداح» أما أنا فقد سككت مصطلح الرأسمالية الطفيلية، التى تعمل فى غير المشروع وفى غير الإنتاج وتتاجر فى السلاح والمخدرات والدعارة.. والسخرية هنا أن مدرس الألعاب الرياضية سامى على حسن كان فى قبضته اقتصاد البلد، وقد نبهت مرارا إلى هذا الخطر ووقفت بعنف ضد السادات ولهذا فصلنى من الجامعة، بدعوى أننى أفسد عقول الشباب، وأننى أخطر أستاذ فى الجامعات المصرية على النظام السياسى وكنت الوحيد فى كليات التربية الذى صدر ضده قرار بالفصل، ما يعنى أن كليات التربية محكومة بالإخوان.
■ هل كان الأمريكان يعرفون أن السادات سيؤيد تلك الخطة؟
- خذ هذه المفاجأة الخطيرة.. أثناء وجودى فى جامعة هارفارد فى ذلك العام دعيت إلى اجتماع مغلق كضيف شرف نظمه صحفى أمريكى شهير اسمه «شين» كان صديقا للأستاذ هيكل، وضم الاجتماع عشرين شخصا، وكان موضوع الندوة هو «السادات»، وكانت الأسئلة المطلوب الإجابة عنها هى على النحو الآتى: هل تفكيره غير علمى؟ وهل يمكن التنبؤ بما سيفعله؟ وهل هو متآمر مع الأمريكان أم الروس؟ أنا كنت أؤيده فى معاهدة السلام لكنى اكتشفت من هذا اللقاء وبعده أن النقطة المهمة فى حرب ٧٣ تكمن فى بداية تدمير الاتحاد السوفيتى.
■ تكاد تقول إن الحرب كانت تمثيلية مثلا؟
- لا.. لا أقصد هذا على الإطلاق إنما أقصد أن الحرب أدت إلى ما هو أبعد مدى من تحرير الأرض ذاتها، وأذكر أن السادات طلب من لطفى الخولى أن يسافر مع بعض أعضاء هيئة تحرير مجلة الطليعة إلى الاتحاد السوفيتى فى ١٩٧٤ لإعادة العلاقات ثم تأجل السفر إلى عام ١٩٧٥ وفى حينها قلت للطفى هذا أمر غير ممكن ولا يستقيم مع أسلوب طرد السوفييت، وعندما ذهبنا إلى موسكو واجتمعنا بالقيادات العليا قالوا لنا سلبيات لا تشى بالعودة، مثال ذلك: قال لنا المسؤولون عن الصحف، ومنهم رئيس تحرير كل من برافدا وازفستيا، إنهم تلقوا آلاف الرسائل من الشعب السوفيتى يطالبون فيها بإيقاف المعونات للعالم الثالث، متعللين بأنهم يتعرضون منهم للشتيمة والجوع. وقابلنا كبار القيادات والسياسيين وكان مدير معهد أفريقيا بلاييف والمستشار السوفيتى لمنطقة الشرق الأوسط قال إن السادات لن يحصل على شىء من أمريكا لكننا ننتظره فى المسقبل ما يعنى أننا سنتركه لفترة طويلة، وفى النهاية قابلنا السفير حافظ إسماعيل، سفير مصر لدى الاتحاد السوفيتى، فقلت له إن العلاقات انتهت ولن تعود فيما عارضنى زملائى فى الوفد وفى مقدمتهم لطفى الخولى إلا أن السفير قال لى: لو صدق تحليلك سأستقيل فورا وبالفعل استقال بعد أسابيع، ومن دهاء السادات أنه أتى بحافظ إسماعيل مستشارا للأمن القومى، وهو الذى قابل كيسنجر للتفاوض معه بعد حرب ١٩٧٣.
■ هل من تفسير منطقى لتحالف السادات مع الإسلاميين وهو فى النهاية رجل علمانى محب للحياة والغناء والطرب وغيرها من مظاهر الحياة؟
- حين تحالف السادات مع الإخوان كان يظن أنها مرحلة تكتيكية وتنتهى ولم يفطن إلى طبيعة فكر الإخوان الاختراقى، فالسادات لم يكن «غاوى» قراءة ولا يمكن لمن لا يقرأ أن يعرف الإخوان.. كان صبره ينفد من القراءة حتى إنه كان لا يقبل تقريرا أكثر من نصف صفحة.. لقد طلب مرة من الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله تقريرا عن الاقتصاد المصرى، فكتبه الرجل بعناية ودقة لكنه كان فى ٣٠ صفحة، فرماه السادات جانبا بحضور صاحبه، إذ لم يطق قراءته وطلب منه أن يعيد كتابته فى نصف صفحة. ولأنه لم يفهم فكر الإخوان ظن أنه بالتحالف معهم ضد الناصريين واليسار وضد خصومه سيخلو له المشهد ويصبح الطريق مفتوحا أمامهم للتغلغل فى مؤسسات الدولة والتعليم، ولم يدرك أن المسألة عندهم مسألة حياة أوموت.
■ حياة أو موت عند الجهاديين وليس الإخوان؟
- هما واحد، فقد أخبرنى المحامى أحمد مجاهد - نائب رئيس حزب العمل وقتذاك - أنه حينما ذهب ليدافع عن حسين عباس المتميز فى الرماية والذى أطلق الطلقة القاتلة على السادات فى المنصة علم منه أن الإسلامبولى ذهب إليه فى منزله، وقال له انت هاتروح الجنة لأنك ستقتل السادات، وقال المتهم لأحمد مجاهد: «هتدافع عنى ليه.. بدل الإعدام هاخد مؤبد مثلا؟ أنا مستعجل عايز أروح للحور العين فى الجنة». إذن لم يكن السادات دارسا لفكر الإخوان كما أنه هو من حرك المادة ٢ فى دستور ١٩٧١ القائلة بأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع
■ مسؤولية انتشار التيارات الأصولية والفكر الأصولى ومواجهتها مسؤولية جماعية فهى مسؤولية الثقافة والإعلام والتعليم ورغم كونك عضوا فى إحدى المؤسسات الثقافية الرسمية إلا أنك انتقدت النخبة المثقفة واتهمتها بالجمود والتقاعس وغياب تواصلها مع الشارع وعدم تجديد خطابها واتهمتها بالتواطؤ فلنتحدث عن هذا؟
- نعم لقد عينت فى لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، اقترحت إقامة ندوة نناقش فيها كتاباً به أبحاث عن ابن رشد، فوافق أعضاء اللجنة وفوجئت بعد ذلك بثلاثة أعضاء ثائرين ضدى يطالبون بإلغاء الندوة، وهم أحمد أبوزيد، رئيس اللجنة وفؤاد زكريا وتلميذه محمود رجب وكانت جلسة عاصفة وقالوا إما التوافق على إلغاء الندوة أو نقيمها لساعتين فقط، لأن ابن رشد لا يستحق، واكتشفت أن الثلاثة معارون إلى الكويت أحمد أبوزيد رئيس تحرير مجلة عالم الفكر، وفؤاد زكريا مستشار هناك، وأيضا محمود رجب، فهل تلقوا تعليمات من التيار الإسلامى فى الكويت بإلغاء الندوة؟ ونشر فؤاد زكريا فى الأهرام تصريحين، وقال إن الذى أقام الندوة الخاصة بابن رشد فلان عنده سوء نية وإن ابن رشد فيلسوف عادى لا يستحق مهما يكن من أمر إلا أننى عقدت الندوة على النحو المطلوب وقلت هذا للدكتور جابر عصفور، أمين عام المجلس، وامتنعت عن حضور جلسات اللجنة ثلاث مرات متتالية ليتم فصلى وفصلونى، ولكننى لم أستقل، كان هذا عام ١٩٩٤.

No comments:

Post a Comment