Translate

Monday, October 24, 2016

د. عماد جاد - دعاة الفوضى - جريدة الوطن - 24/10/2016

تحقق مصر قفزات نوعية فى مجالات مختلفة، ولعل أبرز المجالات التى حققت فيها الدولة المصرية إنجازاً ملموساً هو المجال الأمنى فبعد أن كانت مصر مسرحاً للجماعات الإرهابية من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطرت هذه الجماعات على شمال سيناء وباتت قبلة للمتطرفين من شتى أنحاء العالم، استعادت الأجهزة الأمنية المصرية زمام الموقف ونجحت فى مواجهة هذه الجماعات على النحو الذى حقق الأمن للمواطن المصرى العادى. وتدريجياً نجحت الأجهزة الأمنية المصرية فى تفكيك الخلايا التى تسربت إلى داخل البلاد وبسطت سيطرتها على التراب الوطنى. وبمرور الوقت نجحت الأجهزة الأمنية فى توفير الأمن للدولة والمواطن وحاصرت فلول الجماعة الإرهابية وأنصارها داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة، صحيح أن خلايا ضخمة للجماعة عادت للنوم مجدداً داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة ودورهم هو التعطيل والتخريب من الداخل، إلا أن الصحيح أيضاً أن هذه الخلايا توارت ونامت تماماً استعداداً للنشاط فى أى لحظة، وهو الأمر الذى يفرض على أجهزة الدولة ومؤسساتها القيام بعمليات تطهير متواصلة للأجهزة والمؤسسات.
أيضاً طرحت الدولة المصرية مشروعات قومية عملاقة ستقود بعد إتمامها إلى تحقيق نقلة نوعية فى الاقتصاد المصرى، من مشروع قناة السويس إلى منخفض القطارة مروراً بمشروع الساحل الشمالى الغربى، والعاصمة الإدارية الجديدة، وأنفاق قناة السويس، واستصلاح مليون ونصف مليون فدان وغيرها من المشروعات العملاقة. وسرت حالة من استثارة الشعور الوطنى والإيمان بقدرات الدولة المصرية، وبدأت الدولة فى دراسة نماذج التنمية الدولية الأبرز فى عالمنا من أجل الاقتداء بها وربما يكون النموذج البرازيلى هو الأفضل والأقرب إلينا فى مصر وهو ما أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى ونتمنى أن يقوم الرئيس بزيارة قريبة للبرازيل لإعطاء إشارة البدء للاستفادة من النموذج البرازيلى فى التنمية الشاملة.
أيضاً تتمتع مصر اليوم بمناخ سياسى مغاير لما كان عليه الحال قبل الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، فقد بات بمقدور الأحزاب السياسية أن تعمل بكل حرية من أجل تعزيز وجودها فى الشارع المصرى، فلا قيود على عمل الأحزاب ولا حدود لأنشطتها فى الشارع، فلا يوجد حزب للرئيس ولا مكان فى مصر لحزب الأغلبية الطاغى بعد حل «الوطنى» وتفكك «الحرية والعدالة». المناخ فى مصر اليوم يسمح بالعمل السياسى الحر، يتبقى بعد ذلك ترتيب مجال عمل وسائل الإعلام المصرية المختلفة وإنهاء حالة الفوضى التى ترتبت على الثورة والتى خلقت حالة من الانفلات الشديد على نحو بات يمثل خطراً شديداً على الدولة المصرية، ومن ثم فالمطلوب هنا إصدار قوانين تنظيم الإعلام فى أسرع وقت حتى تنتهى حالة الفوضى التى تسيطر على الإعلام المصرى.
أيضاً استعادت الدولة المصرية قدراتها وبدأت فى العمل مجدداً، فكان منطقياً أن تعود مصر لممارسة دورها الإقليمى، فقد مرت البلاد بفترة ضعف ووهن جعلت أراضيها مسرحاً للثعالب كبيرها وصغيرها، انكفأت مصر على ذاتها فى محاولة للملمة جراحها فهجمت الأجهزة الأمنية لقوى إقليمية ودولية وعبثت فى أرض مصر، ووجدت فى الجماعة خير معين لها فى خيانة الوطن وبيع أسراره. ومن ٣٠ يونيو بدأت رحلة الدولة المصرية فى استعادة ذاتها والنهوض مجدداً، فطردت الثعالب التى كانت تعبث بكروم البلاد، ثم تمددت لتنقل مسرح الأحداث إلى داخل بعض هذه الدول والدويلات، وسرعان ما عادت مصر لممارسة دورها الإقليمى على النحو الذى بدا واضحاً فى تحقيق التهدئة بين إسرائيل وغزة، واستضافة اجتماع دول الجوار لليبيا وتقديم مبادرة لحل الأزمة الليبية تلقى توافقاً من الجميع، وقد عبر الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى عن ذلك بوضوح عندما حذر القوى الدولية من التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية، وعادت مصر لتلعب دوراً فاعلاً فى الملفين الليبى والسورى على نحو يحافظ على وحدة وسلامة ترابهما الوطنى من ناحية ويعطى الأولوية لإرادة شعبهما فى تحديد مصير نظام الحكم. وهو الأمر الذى لم تستوعبه دول عربية وغير عربية تصورت أن مصر يمكن أن تسير فى فلك دولة أو أخرى لأنها فى حاجة لاستمرار تدفق المساعدات، وهى رؤية قاصرة تماماً، فمهما كانت أوضاع مصر الاقتصادية ومهما اشتدت حاجتها للأموال، لا يمكن أن تبدل مواقفها أو تبيع أدوارها التى تؤمن بها وتؤديها باعتبارها أكبر دولة عربية من ناحية وتضع فى قلب حساباتها الأمن القومى ببعديه الوطنى والقومى.
وفى الوقت الذى تحقق فيه مصر هذه الإنجازات وتواجه مؤامرات مركبة تستهدف منع نهوضها مجدداً وتستخدم أدوات ضغط متنوعة لضرب مصادر الدخل القومى المصرى، تظهر دعوات تطالب المصريين بالخروج والثورة على النظام، وعلى الرغم من التعتيم الشديد على هوية الداعين للخروج فى الحادى عشر من نوفمبر المقبل، إلا أن تحليل المشاهد الجارية يقول بمسئولية الجماعة الإرهابية والعواصم المتحالفة معها عن الوقوف وراء هذه الدعوات، وهى دعوات لا قيمة ولا وزن لها ولن تتجاوز كونها دعوات على شبكات التواصل الاجتماعى، فباستثناء مجموعات محدودة من دعاة الفوضى الذين يقتاتون على تنفيذ تكليفات خارجية أو هم بحكم التكوين الفكرى والأيديولوجى دعاة فوضى، لن يشارك مصرى وطنى فى مثل هذه الأعمال الفوضوية، وأتمنى أن يترك المجال لقوات الأمن المصرية للتعامل مع مثل هذه الدعوات دفاعاً عن أمن مصر والمصريين واستكمالاً لمسيرة التطور والتحول التى أؤمن أنها ستتواصل رغم المكائد والمؤامرات من البعض وقصور الفهم من قبل آخرين.

No comments:

Post a Comment