Translate

Saturday, October 29, 2016

د. عماد جاد - قفزات نوعية (٢) - جريدة الوطن - 29/10/2016

على مدار ثلاثة أيام، ناقش المشاركون فى المؤتمر الوطنى الأول للشباب، جميع القضايا المثارة فى مصر من سياسية واقتصادية واجتماعية، جرت المناقشات فى أجواء ديمقراطية غير مسبوقة، شارك الشباب بقوة فى كل المناقشات، طرحوا أفكارهم بكل حرية، واندفاع وحماس أيضاً. كان الرئيس يختار الجلسات التى تناقش قضايا مثيرة للجدل، فقد شارك فى جلسات تناقش حرية الرأى والتعبير ودور وسائل الإعلام، الأحزاب والمشاركة السياسية للشباب، الهوية المصرية وتطوير الخطاب الدينى، الذى انتقل إلى الحديث عن تطوير الفكر والفقه. وشارك ممثلون عن الأزهر فى المناقشات، وطرحوا أفكاراً اشتبكت إيجابياً مع المناقشات. شارك الشيخ أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية وعضو مجلس النواب. وشارك الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، وطرح أفكاراً متطورة. أيضاً تم طرح موضوع الهوية المصرية، وماذا جرى لها وللمصريين، وجرت المناقشات بمشاركة ممثلين عن الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية، وقد ركز الجميع على القيم المشتركة بين الأديان، وثار جدل حاد بين من قال بتشوه الشخصية المصرية وفقدانها لمقوماتها الأساسية بفعل تغيّرات كثيرة بدأت مع هزيمة يونيو ١٩٦٧، وتعمّقت مع مجىء «السادات» فى بداية السبعينات، الأمر الذى أسفر عن حالة من التشدّد الفكرى الغريب عن الشخصية المصرية، وأن المطلوب اليوم هو استعادة الشخصية المصرية لسماتها الرئيسية التى شكلت على الدوام هوية مصر.
ومن بين الجلسات التى أثارت جدلاً شديداً، تلك التى تناولت قضية حال الإعلام المصرى، التى شهدت سجالاً تدخّل فيه الرئيس طارحاً رؤية موضوعية تحافظ على حرية الرأى والتعبير، وفى الوقت نفسه تُنهى الفوضى السائدة فى مجال الإعلام المرئى، وتطرّق الجدل إلى قضية حرية الإعلام والإعلاميين وضرورة الإفراج عن جميع المحبوسين فى قضايا الرأى، مثل إسلام بحيرى.
عكست المناقشات تنوعاً فى الرؤى، وطرح كل صاحب فكر وتوجه رأيه بكل حرية، دون خوف ودون رهبة، وفى حضور رئيس الجمهورية، وجاء ثراء المناقشات وجديتها من تنوّع الخلفيات الفكرية والسياسية للمشاركين، وهو أمر يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لم يستبعد أى فصيل فكرى أو سياسى من المشاركة، فقد شارك فى المؤتمر كل ألوان الطيف الفكرى والسياسى التى تقبل بفكرة الحوار البنّاء، وطبيعى أن من لا يُؤمن بالحوار سبيلاً للتوافق وحل الخلافات، لا مكان له فى المؤتمر، أما كل من يؤمن بأن الحوار سبيل للتوافق أو هو أداة التحاور للوصول إلى حلول للخلافات القائمة، فقد وجهت له رئاسة الجمهورية دعوة للحضور، ومن غاب عن المشاركة فى المؤتمر من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، غاب بقرار ذاتى، هو من قرّر عدم المشاركة، وأعلن مقاطعته للمؤتمر، أى قاطع حواراً دعا إليه رئيس الجمهورية، وللأسف الشديد فإن من بين من رفض الحضور أحزاباً سياسية صغيرة، لها نواب فى البرلمان، منهم من قاطع، لأنه عاش ويعيش فى صورة المناضل الذى يقول دائماً: لا، ولا يصح أن يشارك فى عمل إيجابى بنّاء، يُظهره بمظهر التوافق مع السلطة والنظام، ففى ذلك خيانة لتاريخه النضالى، ومنهم من قاطع، لأن شباب حزبه ضغطوا عليه، ومن ثم قاطع، نزولاً على رغبة الشباب، ومن ثم لا يستحق أن يكون سياسياً، وقد التقيت شخصياً خلال المؤتمر بشباب من تيارات قاطعت قياداتها المؤتمر، كانوا فى غاية السعادة بالمشاركة، وفى الوقت نفسه فى غاية الحزن من الحملات غير اللائقة التى شنّها عليهم شباب تيارهم الفكرى.
السؤال هنا: أيهما كان أفضل للقوى الصغيرة التى قاطعت المؤتمر، المشاركة والاشتباك الإيجابى لشباب هذه القوى مع الشباب المشارك من مختلف التيارات السياسية المصرية وأقاليم الدولة المصرية، والاشتراك فى المناقشات وطرح ما لديهم من رؤى وأفكار فى حضور السيد رئيس الجمهورية، والاستفادة من خيرة عقول مصر فى كل المجالات، أم الاستمرار فى مسيرة أن غاية النضال هى قول «لا» لكل ما تطرحه السلطة؟
وللحديث بقية..

No comments:

Post a Comment