Translate

Wednesday, October 12, 2016

الديمقراطية والتعليم - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 12/10/2016

  السؤال المثار باستمرار، وأصبح محل جدل شديد هو: هل يمكن بناء نظام سياسى ديمقراطى حقيقى فى ظل المعدلات المرتفعة من الجهل والأمية؟ هل يمكن أن تنجح تجربة بناء نظام ديمقراطى فى مجتمع يسوده الجهل وتنتشر فيه الأمية؟ الاتجاه العام فى الإجابة هو بالنفى، فلا يمكن أن تنجح تجربة ديمقراطية فى مجتمع ترتفع فيه معدلات الأمية، وتزداد الصعوبة إذا ما ترافق الجهل مع الفقر وعادة ما يتلازمان. هناك فئة محدودة تشكك فى هذه الإجابة، وتقول إنه يمكن بناء نظام ديمقراطى فى مجتمع فقير تنتشر فيه الأمية، ويشيرون هنا إلى أكبر تجربة ديمقراطية فى العالم من حيث عدد السكان، الهند، ويقولون إن الهند تمكنت من بناء تجربة ديمقراطية رغم ارتفاع معدلات الفقر وانتشار الجهل والأمية فى قطاعات واسعة من المواطنين لا سيما فى الريف.
الحقيقة أن التجربة الهندية تعد استثناءً فى هذه الحالة، ويرجع الفضل فى ذلك إلى الاستعمار الإنجليزى، وإلى النموذج الذى تم بناؤه بعد رحيل الاستعمار، وهو نموذج استمر وإن تعرض لهزات شديدة بسبب انتشار الفقر والجهل، ومن ثم التعصب الذى أدى إلى انفصال باكستان عن الهند عام ١٩٤٧، ثم خروج بنجلاديش من باكستان لاعتبارات تتعلق بالدين والطائفة، وهو التحدى الأبرز للتجربة الهندية حتى اللحظة.
الاستنتاج العام هو أن زيادة معدلات التعليم وانحسار الأمية يساعد على بناء نظام ديمقراطى حقيقى، وهو أمر أشار إليه الفلاسفة والعلماء منذ قرون، فكثيرة هى الأقوال المأثورة عن الفلاسفة والعلماء التى تتحدث عن خطورة انتشار الجهل والأمية على مستقبل الأوطان، وعلى أمن المجتمع، وتزداد هذه الخطورة فى حال ترافق ارتفاع معدلات الجهل مع بناء نظام ديمقراطى يعطى للمواطن الحق فى التصويت على نحو يجعل له دوراً فى تقرير مصير الحكم فى البلاد، فهناك من قال إن منح الحرية لجاهل هى بمثابة إعطاء سلاح لمجنون أو مخبول، وهناك من شدد على أن البيئة التى ترتفع فيها معدلات الجهل والأمية، والتى عادة ما تترافق مع معدلات فقر عالية، هى بيئة نموذجية للتعصب والتطرف، بيئة مثالية للتلاعب بمشاعر العامة ودغدغتها عبر استخدام الدين وتوظيفه، بيئة يمكن لرجال السياسة المحترفين، أن يتلاعبوا بمشاعر العامة، ويحصدوا أصواتهم عبر توظيف الدين، ومن ثم الإتيان بجماعات أصولية متشددة إلى الحكم، وهى لا تؤمن بالديمقراطية ولا التعددية، بل تعادى الديمقراطية وتحكم بموجب جوهر نظرية الإلهى فى الحكم التى سيطرت على أوروبا فى العصور الوسطى.
من هنا نقول إن انتشار الجهل، وارتفاع معدلات الأمية يقفان حائلاً دون بناء نظام سياسى ديمقراطى حقيقى، ويعوقان انتشار القيم الإنسانية اللازمة لبناء نظام ديمقراطى، مثل المساواة، الحرية، العدل، قبول التنوع والتعدد والاختلاف، المواطنة وغيرها من القيم التى لا يمكن بناء نظام سياسى ديمقراطى دون انتشار فى المجتمع ودون اعتناق الناس لهذه القيم الإنسانية السامية، لكل ذلك يبدو التعليم مهماً للغاية لتطور المجتمعات وتقدمها من ناحية، وبناء نظام سياسى ديمقراطى حقيقى من ناحية ثانية، ونعنى بالتعلم هنا، التعليم الحديث المتطور المساير للعصر وأدواته، وفق معدلات عالمية راقية، فانتشار التعليم هو المدخل للتنمية الشاملة ولبناء نظام ديمقراطى حقيقى.

No comments:

Post a Comment