Translate

Friday, October 14, 2016

مصر والسعودية - د. عماد جاد - جريدة الزطن - 14/10/2016


تصاعد التوتر الإعلامى المصرى السعودى على أثر بدء حملة إعلامية سعودية ضد مصر، على خلفية قرار مصر بالتصويت فى مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسى الداعم للموقف السورى الرسمى، تعامل بعض الإعلاميين والمواطنين السعوديين مع تصويت المندوب المصرى لصالح مشروع القرار الروسى على أنه خيانة مصرية رسمية للسعودية، على أساس أن السعودية كانت ضد مشروع القرار الروسى من ناحية، ومع مشروع قرار فرنسى مضاد للقرار الروسى، وهو موقف غير مبرر على الإطلاق، فمشروع القرار الروسى يخص سوريا لا السعودية، أى أنه يخص طرفاً عربياً ثالثاً، كما أن التصويت المصرى فى هذه الحالة يرتبط برؤية مصرية للأمن القومى العربى ولأمن المنطقة، وهو موقف مصرى معلن ومعروف ومبرر أيضاً، فمصر ترى سوريا الامتداد الطبيعى للأمن القومى، وطرحت رؤيتها المؤكدة على الحفاظ على سوريا دولة عربية موحدة ومستقرة، للشعب السورى القرار النهائى فى تحديد من يحكمه ومن ثم تحديد مصير الرئيس السورى بشار الأسد.
جميعنا يعلم بوجود تباين فى الرؤية بين مصر والسعودية بخصوص الوضع فى سوريا وفى ليبيا، والوضع فى البلدين أنه مرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومى المصرى، فسوريا هى العمق الاستراتيجى لمصر، وليبيا دولة جوار مباشر وحدود مشتركة تفوق الألف كيلومتر، وما يجرى فى البلدين يؤثر بشكل مباشر على الأمن المصرى، فالنظام فى البلدين يحارب جماعات متطرفة من جبهة النصرة إلى داعش إلى الأجنحة المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، وهى جماعات لها فلول فى بعض الأراضى المصرية وتمثل العدو الأبرز للشعب المصرى، ومن هنا فالرؤية والسياسة المصرية تجاه ما يجرى فى البلدين أنه مرتبط ارتباطاً شديداً بالأمن القومى المصرى وبأمن المواطن المصرى، ومن ثم لم يكن وارداً على الإطلاق أن تقف مصر فى خندق الجماعات الإرهابية التى تحارب فى سوريا وليبيا ولا كان وارداً أن تصوّت مصر مجاملة لدولة أخرى، فمثل هذه القضايا التى ترتبط بالأمن القومى لا مجال للمجاملة ولا المساومة بشأنها.
فى نفس الوقت فإن تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسى لا يعنى مطلقاً موقفاً عدائياً ضد المملكة العربية السعودية، لأن الموضوع لا يخص المملكة مباشرة، القرار لا يتعلق بالرياض من قريب أو بعيد، ومثلما لم تغضب مصر من الموقف السعودى فى ليبيا وسوريا ولم تعلق عليه، كان على الجانب السعودى أن يتعامل مع التصويت المصرى مع مشروع القرار الروسى على أنه أمر يخص الرؤية المصرية وصانع القرار المصرى لأمن بلاده واستقرارها، ولا بد من تذكر أنه فى كل القضايا التى كانت تخص أمن دولة أو دول عربية كان الموقف المصرى متوافقاً مع الاتجاه العام، حدث ذلك فى الستينات عندما هدد العراق دولة الكويت، وحدث على أثر الاحتلال العراقى للكويت عام ١٩٩٠، ولا يزال ذلك يحدث فى قضايا أمن الخليج العربى ومساندة دول الخليج فى مواجهة التهديدات الإيرانية، ومصر تواصل القطيعة الدبلوماسية مع إيران فى وقت لدول الخليج كافة سفاراتٌ إيرانية ولديها سفاراتها فى طهران، أيضاً تقف مصر إلى جانب مملكة البحرين فى مواجهة أى تهديدات تتعرض لها من قبل إيران، وهناك التزام مصرى بالأمن القومى لدول الخليج العربى.
باختصار ما حدث من حملة إعلامية سعودية ضد مصر على خلفية الاختلاف تجاه مشروع القرار الروسى الذى صوتت مصر لصالحه بينما كانت السعودية تريد التصويت ضده، أمر غير مبرر على الإطلاق، ولا يصب فى صالح البلدين والشعبين، فهناك تهجم من قِبل إعلاميين ومواطنين سعوديين طال مصر وشعبها، ونال من كرامة المصريين، وما كان ينبغى أن يحدث، لأن علاقات الشعبين والبلدين أبقى وأقوى من أن تهزها مواقف متوقعة فى السياسة الخارجية، كما أن هناك مَن سارع لاستغلال الخلاف وتأجيجه من أجل ضرب علاقة البلدين والشعبين عبر الخوض فى مناطق تخص كرامة الشعوب، فقد شاركت الكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان والسلفيين من الجانبين فى تأجيج الخلاف وتصعيده وشن حملات باسم كل طرف على الطرف الآخر، الأمر الذى وقع فيه عدد كبير من الإعلاميين على الجانب السعودى، إضافة إلى عدد محدود من المصريين على نحو يحقق هدف ضرب علاقات البلدين والشعبين، وهو أمر لن يصب فى صالح أى منهما، فمساحة التوافق المصرى السعودى على الصعيدين الإقليمى والدولى أكبر كثيراً من هامش الاختلاف المسموح به والمقبول فى علاقات الدول الشقيقة والصديقة.

No comments:

Post a Comment