Translate

Monday, September 4, 2017

د. عماد جاد - المعونات واستقلال القرار (6) - جريدة الوطن - 4/9/2017

بصرف النظر عن المبررات المعلنة أو الأسباب الحقيقية التى تناولناها فى سلسلة المقالات هذه، فإن الواقع يقول لنا إن واشنطن قررت خفض المعونات والمساعدات المقدمة لمصر، وهو أمر قد يستمر ومن ثم تنتهى المعونات الأمريكية لمصر، أو قد يتغير نتيجة تطورات متوقعة أو غير متوقعة، لكن رغم كل ذلك علينا أن نتعامل بقدر لازم من الجدية مع كل ما له علاقة بالولايات المتحدة، فهى القوة العظمى الأولى فى العالم، وهى التى قدمت لمصر مساعدات ضخمة أسهمت فى تطوير البنية التحتية فى البلاد وخدمة بعض فروع الاقتصاد المصرى، أما المساعدات الأهم فهى العسكرية التى أسهمت بالفعل فى تطوير قدرات قواتنا المسلحة فى وقت كان اقتصادنا فيه منهكاً ومتعباً وغير قادر على تلبية متطلبات تطوير وتحديث أسلحة قواتنا المسلحة، فى وقت قاطعنا فيه العالم العربى وأوقف كل المساعدات ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وفرض المقاطعة على مصر. فى هذا التوقيت بدأت المساعدات الأمريكية لمصر وإسرائيل وكان الهدف تدعيم وترسيخ السلام بين البلدين ومساعدة مصر اقتصادياً باعتبارها حليفاً للولايات المتحدة الأمريكية. وعندما بدأ العرب فى العودة إلى مصر اعتباراً من عام 1989، استمرت واشنطن فى تقديم الدعم والمساعدة لمصر اقتصادياً وعسكرياً. وعندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990 كانت مصر على وشك الإفلاس وإعلان العجز عن سداد أقساط الديون، وهو ما دفع واشنطن للتدخل وطلب إسقاط نصف ديون مصر الخارجية مكافأة لها على الدور الذى لعبته فى حرب الخليج الثانية إضافة إلى مساعدات ومنح قدمت من الدول العربية لمصر.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن مصر استفادت كثيراً من المساعدات والمعونات الأمريكية فى وقت كان فيه نوع من التوافق السياسى والاستراتيجى، اليوم وقد حدث نوع من الافتراق السياسى والاستراتيجى نتيجة اعتبارات عديدة منها تصادم الأهداف فى الشرق الأوسط وتصدى مصر للرؤية الأمريكية الكلية للمنطقة وتحديداً فى الثلاثين من يونيو عام 2013، ثم توجه مصر بعد ذلك إلى إفشال المخطط الأمريكى فى سوريا وليبيا، لم تعد مصر توصف بالحليف الاستراتيجى للولايات المتحدة، ومن المنطقى أن تتقلص المساعدات الأمريكية لمصر، وهنا لا بد أن يتولى صانع القرار صياغة رؤية كلية للتعامل مع الولايات المتحدة وفى الوقت نفسه ضبط ردود الفعل المنفلتة من قبل بعض رجال النظام ووسائل الإعلام الموالية والتى يتشابه سلوكها تجاه هذه القضية مع سلوك الدبة التى أرادت خدمة صاحبها فقتلته، ما هذه الحملة الشعواء من قبل محسوبين على الإعلام بل والنظام ضد الولايات المتحدة واستخدام تعبيرات وأوصاف غير أخلاقية فى وصف الولايات المتحدة لمجرد أنها اتخذت قراراً بتقليص المساعدات المقدمة لمصر، فالولايات المتحدة قدمت لمصر الكثير من المساعدات وساعدت كثيراً فى تطوير القدرات العسكرية المصرية وتحملت فى سبيل ذلك توترات فى علاقاتها بإسرائيل التى اتهمت واشنطن بأنها تضر بأمنها عبر تطوير قدرات الجيش المصرى، من هنا لا بد من وقف الحملات الإعلامية المصرية ضد الولايات المتحدة، وتغيير الذهنية المصرية المبنية على الثقافة العربية التى لا تجيد فنون العمل السياسى وتتبع سياسة الحب والكره وهو ما لا علاقة له بالعمل السياسى بل يضر بمصالح الدول ضرراً شديداً. الولايات المتحدة هى القوة العظمى الأولى فى العالم، وذات القدرات العسكرية والتكنولوجية الأولى وفى جميع الأحوال سوف نحتفظ بعلاقة معها قد يغلب عليها التوتر أو الهدوء، لكن مصر لن تعود دولة تابعة لواشنطن ومن ثم لن تحصل على ما كانت تحصل عليه من مساعدات ومنح.

No comments:

Post a Comment