Translate

Friday, September 1, 2017

د. عماد جاد - المعونات واستقلال القرار (3) - جريدة الوطن - 1/9/2017

أشرنا فى المقال السابق إلى أن إدارة أوباما احتفت بما سُمى الربيع العربى وهو فى جوهره قائم على فكرة الفوضى الخلاقة التى وضعتها إدارة بوش الابن وتحديداً فى ولايته الثانية بعد أن شغلت كوندوليزا رايس منصب وزير الخارجية، وجرى نقل سفيرة واشنطن من باكستان (آن باترسون) والتى تسمى مروضة جماعات الإسلام السياسى، وكشفت علاقاتها مع جماعة الإخوان وساندتهم تماماً. فى ذلك الوقت قدمت واشنطن للجماعة كل ما تحتاج من مساعدات بل أمدتها بصفقة ضخمة من الغازات المسيلة للدموع لاستخدامها ضد المتظاهرين والمحتجين ضد حكم المرشد والجماعة. ورغم انتهاك الحقوق والحريات واضطهاد الأقباط والتمييز ضدهم والاعتداء على الكاتدرائية المرقسية، المقر البابوى، لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، لم يصدر عن واشنطن أى رد فعل أو تعليق على مثل هذه الاعتداءات والانتهاكات.
وعندما بدأت حركة تمرد تعد لثورة الثلاثين من يونيو، بذلت «باترسون» جهوداً ضخمة لإعاقة هذه الثورة الشعبية، ذهبت آن باترسون إلى مقر الجماعة ومكتب خيرت الشاطر وأقامت هناك من أجل مساندة الجماعة ومساعدتها فى مواجهة الثورة المتوقعة فى الثلاثين من يونيو، وفى نفس الوقت طلبت لقاء البابا تواضروس الثانى وطلبت منه بوضوح أن يطلب من الأقباط عدم الخروج فى الثلاثين من يونيو حتى لا يتأجج العداء الدينى، وهو ما رد عليه البابا بالرفض القاطع، مؤكداً أن الأقباط مواطنون مصريون أولاً وأخيراً ولهم الحق فى اتخاذ ما يرون من قرارات، ووجهت باترسون خطابها إلى الرأى العام المصرى حينما قالت فى حوار صحفى إن مرسى ليس مبارك، فالأول منتخب ولا يجوز الخروج عليه.
رداً على ذلك رفع المصريون صور الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وشطبوا على صور أوباما وسفيرته فى القاهرة باترسون. ومع نجاح ثورة الثلاثين من يونيو تأجج غضب الإدارة الأمريكية ورغم أنها لم تصف ما جرى بالانقلاب إلا أنها بدأت سلسلة إجراءات عقابية بحق مصر عبر تجميد مساعدات ومنح سبق إقرارها، وأوقفت تسليم أسلحة ومعدات للجيش المصرى، بل تحفظت على عدد من طائرات الأباتشى التى أرسلتها مصر للصيانة وهى طائرات مهمة للغاية فى ملاحقة العناصر الإرهابية لا سيما فى شمال سيناء.
ضغطت واشنطن على عدد من دول أوروبا الغربية حتى لا تنفتح على النظام الجديد فى مصر، وبدأت تستخدم المبررات والحجج الأخلاقية من أجل تقليص المعونات المقدمة لمصر، فجأة بدأت تتحدث عن التمييز ضد الأقباط والتعنت فى بناء وإصلاح الكنائس، وهى قصص قديمة وصلت إلى الذروة على يد الجماعات الإرهابية وبدأت تعرف طريق الحل بعد 30 يونيو، صحيح المشكلة لا تزال قائمة ومتلازمة بفعل أداء الأجهزة الأمنية والتنفيذية، إلا أن الصحيح أيضاً أن جهوداً تبذل هذه الأيام فى صمت وتحت إشراف رئاسى مباشر من أجل التوصل إلى حلول جذرية لمشكلة الكنائس فى مصر وتحديداً فى الصعيد وخصوصاً محافظة المنيا.
وبدأت واشنطن تتحدث عن الحقوق والحريات فى مصر وتستخدم كل ذلك لاستقطاب أجزاء من المساعدات المقدمة لمصر، وهى مبررات شكلية ونحن نعلم ذلك، فهناك دول سجلها ملىء بالاضطهاد والتمييز وخنق الحريات وحقوق الإنسان وما يصدر عن واشنطن بشأنها مجرد فقرات فى التقرير السنوى للحريات والحقوق فى العالم، وذلك ببساطة لأنها دول لا تحصل على مساعدات أو معونات من واشنطن.
للحصول على المساعدات والمنح ثمن محدد هو استقطاع جزء من استقلالية القرار الوطنى واستخدام هذه المساعدات على الدوام وفق سياسة «العصا والجزرة» وفق مقتضيات الحال ومدى الالتزام بالسير فى ركاب السياسة الأمريكية. ومن ثم فإن الحديث الأمريكى عن تجميد مساعدات أو خفضها يعنى سير مصر وفق رؤية وطنية وبعيداً عن الحدود المرسومة من قبل صانع القرار الأمريكى.

No comments:

Post a Comment