Translate

Friday, September 29, 2017

د. عماد جاد - عقلية الإنكار - جريدة الوطن - 29/9/2017

من أخطر الأمراض المجتمعية الموجودة فى بلادنا، مرض الإنكار، حيث هناك توجه فردى وجماعى على إنكار وجود ظواهر سلبية فى مجتمعاتنا، وهو المرض الذى بات سمة مجتمعية وسياسية أيضاً، حيث هناك تفضيل عام لإنكار وجود المشاكل أو الظواهر السلبية، ويفرز الإنكار على المستوى الفردى وجود أكثر من حياة للشخص، ومن ثم أكثر من وجه، ناهيك عن انتشار ظواهر الكذب والنفاق، أما على المستوى المجتمعى العام فإن عقلية إنكار رؤية الحقائق والاعتراف بها والتعامل معها تقود إلى مجتمع تنتشر فيه كل الظواهر السلبية ويكون أكثر استعداداً لتبنى نظرية المؤامرة، فينسب كل إخفاق ذاتى وعجز وتخلف إلى آخر يتآمر عليه غيرةً وحقداً، وهو الأمر الذى يربى أجيالاً على نظرية المؤامرة والرغبة فى الرد والانتقام ومن ثم ممارسة العنف داخلياً وخارجياً. أما على مستوى النظام السياسى فإن ثقافة الإنكار لاسيما فى المجتمعات المتعددة عرقياً، ولغوياً، ودينياً عادةً ما تقف حائلاً دون بناء دولة قوية متماسكة تنهض على حكم القانون، لأن ثقافة الإنكار عادة توجد فى المجتمعات النامية التى لم تبنِ نظاماً ديمقراطياً بعد، وعادة ما تنهض على سياسات تمييزية لمصلحة أغلبية عرقية أو دينية أو طائفية (وفى أحيان نادرة لمصلحة أقلية متميزة عن باقى السكان). ومن ثم على التمييز ضد الأقلية أو الأقليات الموجودة فى البلاد. وعادة ما تقود مثل هذه السياسات إلى مشاكل وصراعات داخل المجتمع وتمهد الطريق للتدخل الإقليمى أو الدولى لمساندة الفئة التى يقع عليها الظلم أو الاضطهاد. وتزداد الخطورة عندما يترافق الانقسام العرقى/ الدينى/ الطائفى مع تركز الأقليات فى منطقة جغرافية محددة، ففى هذه الحالة فإن استمرار سياسات التمييز والظلم فى كل المجالات، ومقاومة كل مطلب للتغيير والإصلاح ووقف سياسات التمييز، يدفع الأقلية إلى الانعزال النفسى أولاً عن المجتمع وقضاياه وهمومه، ويقود هذا الانعزال إلى الانفصال وجدانياً عن المجتمع ومن ثم تحين الفرصة المناسبة للانفصال التام عن الدولة الأم، وهو ما حدث مع أكراد العراق، فقد تعرضوا لظلم تاريخى فى ظل حالة من الإنكار التام، ومن ثم كان الانفصال وجدانياً عن المجتمع وتحين الفرصة للانفصال والاستقلال وهو ما وظفه الأكراد منذ عام 1990 فى أعقاب الغزو العراقى للكويت وتدمير القدرات العسكرية العراقية فى حرب الخليج الثانية عام 1991، ثم غزو العراق واحتلاله عام 2003، فتبلور مشروع الانفصال عن الوطن الأم والاستقلال عبر إجراء استفتاء شعبى وهو ما تم فى الخامس والعشرين من سبتمبر الحالى وأسفر عن موافقة نحو 92٪ بالمائة على الانفصال.
إن إنكار وجود سياسات التمييز بين المواطنين على أسس أولية من دين وطائفة ولغة وعرق، أسوأ من السياسات التمييزية نفسها، فكل المجتمعات دون استثناء مرت بمراحل كان التمييز يجرى فيها لمصلحة فئة أو جماعة معينة، لكنها ومع التطور أنهت هذه السياسات التمييزية وبنت نظام حكم ديمقراطى وفرضت حكم القانون، أما الدول والمجتمعات التى تتبع سياسات تمييزية بين مواطنيها فهى دول تقاوم التغيير والتطور وتفقد قدرات ذاتية كثيرة، والأسوأ أن تتبع سياسة الإنكار للمشاكل والسياسات التمييزية وتنفيها ومن ثم لا علاج متوقع لها وتستمر فى دوامة التخلف وعدم الاستقرار.

No comments:

Post a Comment