Translate

Friday, September 22, 2017

د. عماد جاد - متطلبات التسوية - جريدة الوطن - 23/9/2017

فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى قبول الآخر وتبنِّى خيار العيش المشترك، وخاطب كل شعب من الشعبين على حدة مطالباً إياه بقبول العيش المشترك مع الآخر حتى يمكن إيجاد تسوية سياسية يعيش فى إطارها الشعبان الفلسطينى والإسرائيلى فى سلام. والحقيقة أن ما جاء على لسان الرئيس فى نيويورك يمثل جوهر شروط التسوية السياسية لتلك النوعية من الصراعات المسماة بالصراعات الاجتماعية الممتدة، وهى الصراعات المعقدة التى يدخل فيها السكان طرفاً والتى تسمى أيضاً بالصراعات الصفرية أو Zero Sum Game وهى الصراعات التى يرى كل طرف فيها نفسه صاحب الحق والآخر لا حق له على الإطلاق ومن ثم يحصل هو على كل شىء ولا يحصل الطرف الآخر على أى شىء، والذى تمت ترجمته فى أدبياتنا السياسية بوصف الصراع مع إسرائيل بأنه صراع وجود لا صراع حدود. وحتى يقبل طرفا أو أطراف الصراع بتغيير هذا الموقف لا بد أن يوقن كل منهم بأنه لا يوجد حل عسكرى للصراع وأن أياً من الطرفين ليس بمقدوره القضاء على الطرف الآخر، وأن الحل هو فى منطقة ما بين موقف الطرفين. أدركنا فى مصر ذلك مبكراً بعد هزيمة يونيو 1967، وبدلاً من الحديث عن القضاء على إسرائيل ظهر مصطلح إزالة آثار العدوان، فى وقت اتسم فيه الموقف الإسرائيلى بالغطرسة والغرور واستمرار تبنِّى فكرة أن الخيار العسكرى قادر على حسم الصراع وأن مصر والعرب على وشك الاستسلام. وجاءت حرب أكتوبر 1973 لتُحدث الصدمة فى إسرائيل ولتدفع قادتها إلى التسليم بعدم وجود حل عسكرى للصراع، وأن مصر ليست جثة هامدة بل قادرة على تحقيق الانتصار العسكرى على الجيش الذى لا يُقهر، وهى الحالة التى استغلها جيداً الرئيس السادات فكانت مبادرته بزيارة القدس فى نوفمبر 1977، ليطرق الحديد وهو ساخن وينتزع من إسرائيل كامل أرض شبه جزيرة سيناء التى تزيد مساحتها على مثلى مساحة فلسطين الجغرافية، ولم تكن إسرائيل أقامت فى سيناء سوى مستعمرة وحيدة هى «ياميت» وقد تم تدميرها قبيل انسحاب الإسرائيليين منها.
رفض العرب مبادرة السادات وقاطعوا مصر ونقلوا الجامعة العربية من القاهرة، وبعد خروج مصر من المعادلة عربدت إسرائيل فى المنطقة، ضربت المفاعل النووى العراقى، غزت لبنان، ضربت فى أكثر من مكان، والتهمت أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، وقامت بتهويد مدينة القدس التى أعلنت شطرها الشرقى المحتل فى عدوان يونيو مع نظيره الغربى عاصمتها الأبدية. ضاعت أكثر من فرصة سانحة للتسوية بعد مؤتمر مدريد للسلام الذى عُقد عقب حرب الخليج الثانية فى أكتوبر 1991، وتمزق اتفاق أوسلو بفعل ضربات المتطرفين من الجانبين، اليهود المتشددين الذين اغتالوا إسحاق رابين من جهة وحركتَى حماس والجهاد من جهة ثانية. وبعد قرابة ربع قرن والتهام إسرائيل مساحات إضافية من الأراضى الفلسطينية، عادت حركة حماس لتعلن قبولها بالحل السياسى للصراع مع إسرائيل وتسقط مقولة صراع الوجود.
فى تقديرى أن الظروف باتت مهيأة تماماً لبدء عملية تسوية سياسية حقيقية للقضية الفلسطينية، لا سيما بعد نجاح مصر فى تحقيق المصالحة بين حركتَى فتح وحماس، ولقاءات الرئيس السيسى فى نيويورك مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وربما تكون الفرصة الأخيرة لتحقيق تسوية سياسية شبه مقبولة وفقاً لطبيعة الموقف الراهن فى المنطقة.

No comments:

Post a Comment