Translate

Sunday, September 10, 2017

د. عماد جاد - الشماتة فى المغاير والمختلف - جريدة الوطن - 11/9/2017

تحمل ذاكرتى واقعة فى أواخر عام 1979 بعد أن وقّع الرئيس السادات معاهدة السلام مع إسرائيل فى السادس والعشرين من مارس عام 1979، فقد صدرت التعليمات لرجال الدين بالدفاع عن هذه الخطوة وتبريرها من وجهة نظر دينية، ولأن الرئيس السادات كان قد أخذ يقول فى تلك الفترة إنه لا «سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة» فقد رد عليه البابا شنودة الثالث بمقولته هذه عندما طلب منه السادات تبرير معاهدة السلام مع إسرائيل من أرضية دينية، أتذكر أيضاً أننى كنت فى هذا العام طالباً بالسنة الأولى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومقيماً بالمدينة الجامعية المواجهة للجامعة، والقريبة من منطقة «بين السرايات» أتذكر جيداً صوت الشيخ مقبلاً من أقرب المساجد إلى المدينة الجامعية خلال صلاة الجمعة وهو يدافع عن قيام السادات بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل شارحاً الآية التى تقول «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها» مؤكداً على أهمية السلام فى حياة الشعوب وأن الحروب هى لرد العدوان واسترداد الحقوق، وبعد أن انتهى من الخطبة المعممة على كافة المساجد، ختم بالدعاء على اليهود والنصارى أن يشتت الله شملهم ويُيتم أبناءهم ويرمّل نساءهم... إلى آخر هذه الأدعية المحفوظة عن ظهر قلب.
تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع، كغيرى من البشر، مسار الإعصار «إرما» المقبل من منطقة الكاريبى باتجاه الولايات الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً ولاية فلوريدا، ففى الوقت الذى توجه فيه مئات الملايين من البشر فى شتى أنحاء العالم بالابتهال إلى الله أن ينجى سكان المنطقة من هذا الإعصار المهلك، وتابع العالم جهود سلطات ولاية فلوريدا فى إجلاء نحو 5٫6 مليون مواطن من منطقة الخطر، وكيف كان رجال البوليس يطرقون منازل المنطقة المعرضة للخطر ويدخلون معهم فى حوارات طويلة لإقناعهم بمغادرة المكان إلى حين مرور الإعصار بسلام، فى هذا الوقت الذى تضامنت فيه شعوب العالم من شتى الأديان والطوائف والأعراق مع الشعب الأمريكى فى منطقة الخطر، وهو شعب هجين يضم كافة الأديان والطوائف والأعراق، ففيه اللاتين والآسيويون، والعرب، والمسيحيون، والمسلمون، والهندوس والبوذيون، وغيرهم، كان بعض رجال الدين لدينا، لا سيما من التيار السلفى ونسبة لا بأس بها من مرتادى مواقع التواصل الاجتماعى، يعبرون عن سعادتهم بما يجرى ويدعون الله أن يُهلك أكبر عدد ممكن من الأمريكيين. ومن السلفيين من عبّر عن فرحته وسعادته، بل وشماتته، فى تلك الكارثة، داعياً المولى عز وجل أن يُكثر من مصائب هؤلاء القوم الكفار وأن يوقع فى صفوفهم أكبر عدد من القتلى. نكاد نكون الوحيدين فى العالم الذين خرجت منا هذه الدعوات لله الواحد القهار أن يُكثر من كوارث قوم وأن يُنزل الكوارث ويصبّ اللعنات على بشر مثلنا لمجرد اختلافهم معنا فى الدين أو الطائفة. وقد وصل الأمر إلى شباب غضّ فى عمر الزهور بعضه يحلم بالهجرة إلى الولايات المتحدة للحصول على تعليم متميز ومنهم من يفكر فى العيش هناك والتمتع بالرفاهية التى حققتها تلك المجتمعات.
لماذا هذه الازدواجية فى الفكر والشعور، ولماذا كل هذا الكم من الكراهية والعداء للمغاير والمختلف والشماتة فيما يقع له من كوارث طبيعية فى حين أن بلادنا متخمة بكوارث من صنعنا إضافة إلى الكوارث الطبيعية، وبدلاً من أن نطور أنفسنا ونعالج كوارثنا الإنسانية فى اليمن والعراق والصومال وليبيا، نحول وجوهنا صوب الغرب ونطلب من العلى القدير صبّ غضبه وإنزال لعناته عليه؟ فى تقديرى أن القضية برمتها ثقافية أيديولوجية، إضافة إلى توظيف الدين فى السياسة والعجز عن الإنجاز المادى، فبات التركيز فيما وراء الطبيعة والبحث عن مبررات ميتافيزيقية للظواهر والرغبة فى توظيف هذه الميتافيزيقا فى تعطيل الآخرين والانتقام منهم بدلاً من استخدام العلم والتفكير العلمى كطريق وحيد للإنجاز والتقدم.

No comments:

Post a Comment