Translate

Saturday, September 2, 2017

د. عماد جاد - المعونات واستقلال القرار (4) - جريدة الوطن - 2/9/2017

عرفنا أن المعونات هى أداة من الأدوات التى تستخدمها الدول لتنفيذ سياساتها الخارجية وتطويع سياسات ومواقف الدول الأخرى كى تتوافق مع سياستها، وهى أداة من الأدوات التى تستخدمها الدول فى الضغط على الدول الأخرى إما لتغيير مواقفها ونمط تصويتها فى المنظمات الإقليمية والدولية أو لدفعها للتصويت وفق ما تريد أو يريد الحلفاء. كما أن للمعونات وظائف غير مرئية تؤثر على عناصر عديدة داخل الدول المتلقية لها، فخذ على سبيل المثال المساعدات العسكرية، ورغم أهميتها فى تمكين الدول المتلقية لها من تحديث وتطوير قدراتها العسكرية ورفع الضغط عن موازنة الدولة، فإن للمعونات العسكرية فوائد جمة للدول المقدمة لها، فهى أولاً: تشغّل دولاب الإنتاج العسكرى فى الدول المقدمة لها، وهى ثانياً: تمكّن الدول المقدمة لها من تحديد نوعيات السلاح الذى تقدمه للدول المتلقية، وهى ثالثاً: تتحكم فى القدرات التكنولوجية للأنماط الحديثة من السلاح، وهى رابعاً: تتولى عملية نقل السلاح وقطع الغيار إلى الدول المتلقية للمساعدات، وهى خامساً: تشترط تولى خبراءها القيام بعمليات التدريب على هذه الأسلحة والمعدات، ويرتبط بكل مجموعة بعض الخطوات التى تكشف المجال الحيوى للدول المتلقية للمساعدات العسكرية للدول المقدمة لها، فهى من ناحية تضمن تحول الدول المتلقية للمساعدات إلى السلاح الغربى، وهى قضية مهمة للغاية للولايات المتحدة ودول المعسكر الغربى، لا سيما بالنسبة للدول التى كانت تعتمد على السلاح الشرقى، فهى بذلك تتمكن من الحصول على نماذج من السلاح الشرقى وتتولى فحصه وكشف أسراره، وهى من ناحية ثانية تضمن تحول هذه الدول إلى السلاح الغربى، ومن ثم تضمن قدوم عسكريين من هذه الدول إلى الولايات المتحدة للحصول على دورات تدريبة، ومن ثم تحول العقيدة القتالية للدول المعنية إلى العقيدة الغربية أو الأمريكية تحديداً، ويترتب على ذلك فى النهاية إجراء تدريبات عسكرية مشتركة على أراضى الدول المتلقية للمساعدات، ومن ثم تصبح الدول المقدمة للمساعدات العسكرية، وعبر التدريبات المشتركة، على دراية كاملة بطبوغرافية الدول التى تجرى على أراضيها المناورات والتدريبات المشتركة. ولكى يتضح لنا كل ذلك نذكر محتويات التقرير الذى أصدره الكونجرس الأمريكى فى أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991، حيث جزم التقرير بأن الإنجاز الذى حققته الولايات المتحدة فى هذه الحرب يعود إلى مجموعة عوامل أبرزها أن السلاح الذى كان بحوزة الجيوش العربية التى شاركت فى الحرب مع قوات التحالف الدولى كان سلاحاً أمريكياً ومن ثم فقد سهّل ذلك مهام عملها مع القوات الأمريكية، أيضاً فإن عدداً كبيراً من كبار الضباط الذين قادوا هذه العمليات سبق لهم الحصول على دورات تدريبية فى الولايات المتحدة ومن ثم فقد كان التفاهم بينهم وبين القيادات الأمريكية يسيراً، وأخيراً فإنه بفضل التدريبات العسكرية المشتركة التى أجرتها الولايات المتحدة مع هذه الدول كانت القوات الأمريكية على دراية كاملة بالطرق والبنية التحتية فى هذه الدول، وأن هذه العوامل مجتمعة مكّنت الولايات المتحدة من تحقيق الإنجاز العسكرى فى حرب الخليج الثانية. قد يقول البعض إن القضية لا علاقة لها بالمساعدات وإنما بطبيعة العلاقات، فتقرير الكونجرس يتحدث عن دول الخليج لا عن مصر، وهو أمر صحيح، لكن ما نعنيه هنا هو أننا نتحدث عن الدول الإقليمية الرئيسية التى عليها الاحتفاظ بقدر من الغموض والسرية فيما يخص استراتيجيتها العسكرية، والأمر هنا ببساطة يتوقف على تنويع مصادر السلاح بين شرقى وغربى وإجراء تدريبات مشتركة مع مدارس عسكرية مختلفة مثل فرنسا وروسيا والصين الشعبية، وتلك هى مشكلة الولايات المتحدة مع مصر اليوم، ومن ثم فلا انزعاج من تخفيض معونات وتقليص مساعدات، فهى مؤشر على تحرك مصر باتجاه مزيد من الاستقلالية والتحرر من النفوذ الأمريكى.

No comments:

Post a Comment