Translate

Wednesday, September 13, 2017

خالد منتصر - الملك والكتابة - جريدة الوطن - 14/9/2017

كواليس صراع السلطة مع الصحافة ولعبة تكسير العظام ومصارعة لمس الأكتاف فى الحلبة المصرية تستحق مجلدات ومجلدات، ومن أهم الكتب التى تناولت تلك العلاقة بأسلوب جميل وجذاب كتاب «الملك والكتابة» للصحفى الشاب محمد توفيق، والصادر عن دار دلتا للنشر، فالكتاب يستعرض محطات فى منتهى الأهمية والحساسية فى تاريخ مصر منذ 1950 وحتى عام 1999، منذ أن كتب إحسان عبدالقدوس عن الأسلحة الفاسدة وحتى مطاردة إبراهيم عيسى وصحيفته الوليدة «الدستور»، تاريخ من الكر والفر، من الشد والجذب، من الرضا والنفور، من قصائد الدلال وخوازيق الفصال!، القصص كثيرة منها ما يخجل الصحفيين أنفسهم مثل صراع الصديقين هيكل ومصطفى أمين الدموى وسعدة وعادل إمام الملىء بالانتقام والتشفى واستعراض القوة، ومنها ما يُدين الدولة نفسها مثل موقفها من الصحف المعارضة مثل الدستور وغيرها، إلا أن أهم المعارك وأخطرها التى لم تستخدم فيها القوة العسكرية أو السياسية، كانت معركة الشيخ الشعراوى وتوفيق الحكيم التى ترسم لك صورة الفاشية الدينية عندما تتجبر وتصيب المثقف بالخوف وتزرع فى قلبه الرعب، عندما يستقوى رجل الدين بغريزة رجل الشارع ويسلم رقبة المثقف لأول عابر سبيل حتى يذبحه بتهمة الردة وجريمة إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا المعلوم طبعاً هو معلوم الشيخ فقط!، القصة كان فيها مع «الحكيم» يوسف إدريس وزكى نجيب محمود، ولكن «الحكيم» نال النصيب الأكبر من الهجوم وبث الرعب بسبب أن بداية المشكلة قد كانت مع سلسلة مقالاته «حديث مع الله»، التى وصفها «الشعراوى» بأنها من قبيل «التطاول على الذات العلية»، وبدأ يغازل مشاعر العامة بقوله: «إن الدين ليس له صاحب فى مجتمعنا بدليل أن المنسوبين إلى الدين حينما تعرضوا لنظام الحكم سجنوا»، وبالطبع باع نظام الحكم توفيق الحكيم حتى يزايد على «الشعراوى»، ويظهر أكثر حرصاً على الدين، وصف «الشعراوى» توفيق الحكيم قائلاً: «عجبت من رجل يعتبرونه شيخ الكتاب يعلن أنه لم يعد صالحاً لأن يكتب مسرحيات، أى أنه لا يصلح لكتابة بشر إلى بشر ثم يتسامى إلى أن يتكلم مع الإله!!»، وفى السكة اتهم «الشعراوى» زكى نجيب محمود بأنه منكر لحديث الذبابة، وهذا يعنى أن هناك خطة مدبرة للنيل من الإسلام!، تصاعدت الحملة الشعواء ووصلت التهديدات إلى أقصى مداها واضطر توفيق الحكيم إلى الاعتذار قائلاً: «أخشى أن أكون مخطئاً فى حديثى إليك، وألتمس منك المغفرة لمن ظلمنى ولى إن كنت سهوت أو أخطأت...»، وكتب بعدها الكاتب الصحفى صلاح منتصر يزف إلينا البشرى بأن توفيق الحكيم قد رأى «الشعراوى» فى المنام وطلب منه «الحكيم» زيارته فى المستشفى ومنحه البركة!!
وهكذا تسمم الهستيريا الدينية المناخ الثقافى، وتجعل المثقف دائماً فى حالة خوف ورعب على وجوده البيولوجى أصلاً، لأن مجرد سكين أو رصاصة من أى مجنون ينفذ فيه حد الردة سيشطب عليه من الوجود، لأنه ليس له ثمن، فمن يحدد سعره وقيمته هو رجل الدين فقط، أما رجل الشارع فيقول آمين.

No comments:

Post a Comment