Translate

Wednesday, September 6, 2017

سحر الجعارة - انتصرت تونس وانهزمت مصر - جريدة الوطن - 6/9/2017

وانتصرت «تونس» على كل دعاوى الرجعية والتخلف، وعبادة التراث الدينى، والركوع أمام فقهاء اجتهدوا فى زمن العيش فى الخيام وقضاء الحاجة فى الصحراء والتمتع بملك يمين، وخلط الدين بالمصالح التى أصبحت بوصلة فتاواهم!
وفى أول تطبيق للمشروع التونسى الذى يسمح بالزواج المدنى للمسلمة من مسيحى، «ريم السعيدى»، وهى عارضة أزياء تونسية عالمية، مقيمة فى ميلانو بإيطاليا، من «وسام بريدى» وهو إعلامى لبنانى شهير، وخرجت «ريم» على العالم لتقول بأن اختلاف الجنسية والدين لن يقف عائقاً بينهما، وقالت: «الحب هو كل شىء، الله محبة».. أما «وسام بريدى» فقال لزوجته عند دخولهما: «فرقنا الدين، فرقنا البلد وفرقتنا العديد من الأشياء الأخرى لكن جمعنا الحب، ما يجمعه الله بالحب، لا يُمكن أن يفرقه الإنسان». لقد أثار هذا الزواج الكثير من الجدل بسبب اختلاف ديانة كل منهما، وربط البعض قصة الزواج بقرارات تونس الأخيرة التى صدرت منذ نحو شهر تقريباً، غير أن زواج ريم من وسام تم منذ شهرين بإيطاليا (بلد إقامة ريم الحالية) وفقاً لصورة نشرتها عبر حسابها الشخصى على «إنستجرام» وكتبت عليها «زواج رسمى». لكنه جاء بمثابة انتصار لرغبة تونس فى تجديد الخطاب الدينى وتطويره، فلم تخضع تونس لإرهاب عمائم الأزهر الذين استباحوا دماء كل من أيّد مشروع التطوير وهو لا يزال قيد الدراسة، وكفّروا كل من شارك ولو بإبداء الرأى، فقط لفرض سطوة الأزهر ونفوذه على العالم الإسلامى. وبعد الضجة التى رافقت أول زواج مدنى بين مسلمة ومسيحى (وهما ريم من تونس ووسام من لبنان) أعلن البرلمان التونسى موافقته بالأغلبية على هذا الزواج.
‏وقال القيادى فى حركة نداء تونس «برهان بسيس» إنه «من المفيد التذكير بأن نقاشنا التونسى الداخلى يظل ظاهرة صحية ومطلوبة مهما بلغ حجم اختلافاتنا تجاه قضايا مثيرة للجدل مثل المساواة فى الإرث أو زواج المسلمة بغير المسلم». وفى تدوينة كتبها «برهان بسيس» رداً على «عباس شومان»، وكيل الأزهر، الذى قال إن دعوات المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية.. قال «بسيس»: «أن تقتحم علينا مؤسسة مثل الأزهر سبق أن أفتت بحرمة بث فيلم الرسالة لمصطفى العقاد وصنفت مشاهدته ضمن المحرم دينياً وتدخل على خط تداولنا الداخلى لقضايا تهم مجتمعنا التونسى، فذلك أمر يدعونا لتحصين أجواء الجدل الفكرى والثقافى بيننا كتونسيين من أى تشويش خارجى فقط عن طريق جعلها رفيعة المستوى راقية المضامين لا تقع مهما بلغ الاختلاف فيها فى مصيدة التكفير المتبادل، محافظون يكفرون غيرهم دينياً، وحداثيون يكفرون غيرهم مدنياً».
لكن التشويش مستمر بقرار سيادى، فقد أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قراراً رقم (422) لسنة ٢٠١٧م بالتجديد للدكتور «عباس شومان» وكيلاً للأزهر الشريف. وهذا معناه ببساطة أن الدولة لا تحارب الإرهاب، وأن «شومان» هو الرقم الصحيح والفاعل فى معادلة أخونة الأزهر بجانب الدكتور «محمد عمارة»، علاوة على اللاعب الجوكر فى هذه المعادلة الخطيرة «محمد عبدالسلام»، وأن الدولة سلفية الهوى، وهابية التوجه، تُبقى على رموز التطرف والإرهاب فى المؤسسة التى يحصنها الدستور ويحمى إمامها من العزل!
أو أن الدولة مصابة بعمى ألوان، لا تجيد الفرز بين أعدائها وأنصارها، أو أنها تحتاج لرجل مثل «شومان» ينتزع اختصاصات القضاء وأى اختصاصات أخرى ويمنحها لرئيس الجمهورية، مثلما فعل فى حضور المعزول «مرسى» حين قال إن «رئيس الدولة فى صدر الإسلام كان يتولى القضاء بنفسه إن كان يحسن القضاء»! إنها دولة دينية بامتياز، هشة ومهلهلة بفعل الاختراق الإخوانى لمؤسساتها، وبفعل الفساد، دولة حائرة: تطالب بتجديد الخطاب الدينى وتحبس المجددين، تنادى باصطفاف يجمع الأزهر بالأقباط والمثقفين وتحكم بالإعدام على الثقافة.. إنها دولة كارهة للتنوير، تعادى الفكر والمفكرين، وتذكّرنى بالرئيس السادات حين كان يسمى المثقفين بـ«الأراذل»! لقد هنأ الرئيس اللبنانى «ميشيل عون» شخصياً الثنائى «بريدى والسعيدى» لأنه يريد دولة مدنية بعدما حطمت «الطائفية» لبنان وأدخلتها فى حرب لنحو 17 عاماً.. أما نحن فيبدو أن قمة هرم السلطة تريدها دولة دينية محافظة رجعية، دولة معادية للتنوير والفكر، يحكمها الأزهر «من الباطن» فيكفّر الشيعة والأقباط ويحلل ملك اليمين والاتجار بالبشر، ويبارك «داعش» ويدير معارك وهمية حول «الطلاق الشفهى» لاستعراض قوته... إلخ ممارساته القمعية التى كان آخرها مشروع قانون الحض على الكراهية (الخطأ مقصود، فهو مشروع لقمع الحريات ونشر الكراهية).
سيادة الرئيس: نحن شركاء فى الحرب ضد الإرهاب، ومن حقنا أن نرفض هيمنة العناصر الإخوانية على الأزهر الشريف، وأن نقف ضد محاولات الأزهر لاختطاف السلطة والهيمنة على أقدار العباد.
أما إن كنت تعتبرنا «أراذل» لا نجيد إلا «الفزلكة» والثرثرة الفارغة فلتسمح لى أن أقول إن «العقل المصرى فى خطر».. التفريط فى المثقفين هو تغييب للعقل الجمعى، والانحياز للأزهر بكل ما فيه من تطرف وإرهاب فكرى هو دروشة للمجتمع ونثر لبذور الفتنة والإرهاب.. وفخامتك تتحمل المسئولية وحدك عن الاختيار!.

No comments:

Post a Comment