Translate

Wednesday, September 6, 2017

د. عماد جاد - مجموعة «البريكس» - جريدة الوطن - 6/9/2017

هى خمس دول تنتمى لقارات العالم المختلفة، فهى تضم الصين والهند من آسيا، وروسيا الاتحادية من أوروآسيا، والبرازيل من أمريكا الجنوبية، وأخيراً جنوب أفريقيا من قارتنا السمراء، وفيما عدا روسيا والصين تُعتبر الدول الثلاث الأخرى من بلدان العالم الثالث، بل إن الصين الشعبية لا تزال تصر على تقديم نفسها للعالم باعتبارها دولة نامية. ما يجمع هذه الدول أنها حققت تقدماً اقتصادياً متسارعاً وضعها فى منزلة ما بين المنزلتين فيما يخص العوالم الأول والثانى والثالث، فمنها دول غادرت العالم الثالث بالفعل منذ عقود عدة مضت، وتأتى روسيا الاتحادية، قلب الاتحاد السوفييتى السابق، على رأس هذه الدول، وهناك أكبر ديمقراطية فى العالم، وهى الهند التى تُعتبر الدولة الديمقراطية الأكبر من حيث عدد السكان فى العالم، وهى دولة تجمع داخلها مئات الأديان والطوائف والمعتقدات والأعراق أيضاً، خرجت منها باكستان عام 1947، ومن الأخيرة انشقت بنجلاديش، على أساس دينى وطائفى، ورغم ذلك ظلت الهند أكبر ديمقراطية فى العالم، بها نسبة فقر عالية وفى نفس الوقت هى دولة متقدمة تكنولوجياً ولها برامجها الخاصة للفضاء والسلاح النووى وكافة أسلحة الدمار الشامل، تنافسها الرئيسى مع الصين، ويغضب الهنود عندما تحدثهم عن أن برامجهم التسليحية موجهة إلى باكستان، فهم يرون فى ذلك إهانة وتحقيراً لهم، إذ يرون أن قوتهم تقارن بالصين لا باكستان، وإذا كانت الصين هى الدولة الأولى فى العالم من حيث عدد السكان فإن الهند تأتى فى المرتبة الثانية، فكل منهما يتجاوز عدد سكانه المليار نسمة.
نأتى بعد ذلك إلى الدولة الرابعة فى المجموعة وهى البرازيل، تلك الدولة اللاتينية التى يبلغ عدد سكانها مائتى مليون نسمة وخضعت لما خضع له العالم الثالث، ومن بينه دول أمريكا اللاتينية، لحكم ديكتاتورى وعسكرى لعقود طويلة، كما كانت هذه الدولة على وشك الإفلاس بالفعل فى مطلع القرن الحالى، ورفض صندوق النقد الدولى منحها قرضاً لشكه فى قدرات اقتصادها على الوفاء بأقساط الديون. وحققت هذه الدولة قفزة هائلة على كافة المستويات فى عهد الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا، الذى تولى الحكم من عام 2002 إلى عام 2010، فقد ترك الحكم والبرازيل دائنة لصندوق النقد الدولى بأربعة عشر مليار دولار، كما أنها الدولة الأولى فى العالم فى إنتاج الطائرات المدنية متوسطة الحجم من طراز «أمبراير».
ونأتى للدولة الأخيرة فى المجموعة وهى جنوب أفريقيا، تلك الدولة التى كانت مثالاً صارخاً على العنصرية ونظام العزل بين السكان وفق أصولهم العرقية أو ما سمى بالأبارتهيد، وتعرضت لعقوبات من الأمم المتحدة، وكانت مقاطعة من قبَل الدول الأفريقية وفُرضت عليها المقاطعة من قبَل المنظمة الدولية، الأمم المتحدة، فقد فرّت الأقلية البيضاء ذات الأصول الفلاحية المقبلة من شمال أوروبا، وتحديداً من هولندا، هرباً من الاضطهاد المذهبى الضارى فى القرن السادس عشر الميلادى، فقد كانوا يعتنقون المذهب البروتستانتى، فروا بمذهبهم إلى جنوب القارة الأفريقية وأقاموا مؤسساتهم وأحياءهم السكنية بل وكنائسهم المنعزلة تماماً عن أهل البلاد الأصليين، وناضل الأفارقة وقضى الزعيم الراحل نيلسون مانديلا ربع قرن فى السجن مناضلاً من أجل حقوق أهل البلاد الأصليين إلى أن انهار النظام العنصرى مع نهاية الحرب الباردة، وتولى «مانديلا» منصب رئيس الدولة وصاغ دستوراً جديداً للبلاد اعتمد على مبدأ عبقرى غير موجود فى أى نظام ديمقراطى فى العالم وهو مبدأ تقاسم السلطة «Power Sharing»، وبمقتضاه يشارك كل حزب أو قائمة انتخابية تحصل على أكثر من 5% من أصوات الناخبين فى الحكومة، ومن ثم نجح فى ضم كافة المجموعات العرقية والقبلية فى حكومة وحدة وطنية حقيقية، صاغ دستوراً ديمقراطياً متقدماً للبلاد، ووضع فى الدستور مادة تمنع تعديل المواد التى تضمن حقوق الأقلية البيضاء قبل مرور عشرين سنة مراهناً على خلق وتكريس مواطنة جنوب أفريقية تصون وحدة البلاد، وهو ما تحقق بالفعل، فواصلت جنوب أفريقيا مسيرة التطور وباتت من دول «البريكس». وبالمناسبة، فمن بين دول المجموعة دولتان دائمتا العضوية فى مجلس الأمن هما روسيا والصين، والدول الثلاث الأخرى مرشحة للعضوية الدائمة فى مجلس الأمن عن آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. حكاية هذه المجموعة هى قصص نجاح نظم حكم وشعوب آمنت بالإنسانية والعلم والتفكير العلمى وقيمة المواطنة والعمل وابتعدت عن سحر نظرية المؤامرة.

No comments:

Post a Comment