Translate

Sunday, May 14, 2017

د. عماد جاد - خطوات على الطريق - جريدة الوطن - 13/5/2017

استجابة النائب العام للبلاغات المقدمة ضد الشيخ سالم عبدالجليل وتحديد الرابع والعشرون من يونيو المقبل موعداً لمحاكمته بتهمة ازدراء المسيحية، تعد خطوة إيجابية على الطريق الصحيح، ومبادرة وزير الأوقاف بسحب ترخيص الخطابة منه، ومنعه من اعتلاء المنابر، محمودة تماماً، لا سيما قد أعقبها قرار مماثل بحق الشيخ عبدالله رشدى، إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة، لأنه أيّد سالم عبدالجليل فى رأيه وحكمه، إضافة إلى أنه خرج أكثر من مرة على الإعلام، مكرراً كلام سالم عبدالجليل.
الحقيقة أن هناك خطوات إيجابية على طريق مواجهة ظواهر التطرّف والتعصّب فى مجتمعنا، والتصدى الجاد، ربما للمرة الأولى لظاهرة التكفير فى بلادنا بعد أن انتشرت فى المجتمع، وباتت تهمة سهلة للغاية توجه إلى المغاير الدينى/ الطائفى، إلى الكتاب والمفكرين، بل إلى مجرد المختلفين فى الرأى.
مجتمعنا يحصد اليوم الثمار المرة التى زرع بذورها الرئيس المؤمن منذ منتصف سبعينات القرن الماضى، فقد أطلق يد الجماعات المتطرفة لتعيث فى المجتمع فساداً، تعتدى على اليسار والناصريين، ثم تتخصص لاحقاً فى تكفير الأقباط واستحلال أموالهم وفرض «الجزية» عليهم فى بعض المناطق النائية، فى ظل صمت، بل ومباركة الأجهزة الأمنية فى ذلك الوقت. وعندما انفلتت الظاهرة، وأراد السادات ضبطها، تفتّق ذهنه عن الفقرة (و) من المادة (٩٨) من قانون العقوبات، التى سُميت بمادة معاقبة ازدراء الأديان، واستُخدمت المادة -ولا تزال حتى يومنا هذا- فى معاقبة الأقباط الذين توجّه إليهم اتهامات بالإساءة إلى الإسلام، بل استخدمت فى تكريس بعض مشاهد الظلم التى يتعرّض لها الأقباط فى مصر، من حبس مدرسة قنا، إلى أطفال بنى سويف، وأيضا حبس كتاب وأدباء بالتهمة ذاتها.
حاول العديد من نواب المجلس الحالى التصدى لهذا الظلم المتراكم، فقدّمت الدكتورة آمنة نصير مشروع قانون لإلغاء الفقرة (و) من المادة (٩٨) من قانون العقوبات ومن أرضية دينية مؤكدة تصادم القانون مع نصوص دينية، وفشلت فى ذلك بسبب رفض ممثل وزارة العدل ذلك، وتجييش النواب لرفض هذا المشروع العصرى التنويرى. كما قدّمت النائبة أنيسة حسونة مشروع قانون بإنشاء مفوضية التمييز كاستحقاق دستورى كان يجب الوفاء به فى أول دور انعقاد للبرلمان الحالى، وهو المشروع الذى وضع فى الأدراج، ونحن اليوم فى نهاية دور الانعقاد الثانى، ولم يخرج مشروع القانون من الأدراج بعد.
القضية فى تقديرى ليست قضية نصوص، لكنها الإرادة، هل هناك إرادة حقيقية لبناء دولة المواطنة؟ هل هناك إرادة حقيقية لوضع أساس دولة مدنية حديثة تنهض على المساواة والعدل؟ فى تقديرى الشخصى أن هذه الإرادة غائبة طوال العقود الماضية، والفرصة كانت سانحة للغاية مرتين، الأولى عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وضاعت بسبب قفز جماعة الإخوان، ومعها التيار السلفى على السلطة، والثانية بعد ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، وعطلت المواءمات السياسية استغلال اللحظة المناسبة، فقد دخلت سلطة ما بعد ٣٠ يونيو فى مواءمات مركبة أضاعت ما مر من أعوام على الثورة. وقد أدت هذه المواءمات إلى انتكاسة شديدة فى قضية مواطنة، واستشرى خطر التيار المتشدّد على نحو فاق زمن «مبارك»، واستمرت ألاعيب الأجهزة الأمنية نفسها فى ضرب قضية المواطنة وإعاقة دولة القانون والعدل على النحو الذى شهدناه فى عشرات الأحداث الدينية من ظاهرة اختفاء مسيحيات قاصرات وعدم تجاوب الأمن، وتحديداً الأمن الوطنى، مع جهود البحث الجادة، والتلاعب بالقضية على النحو الذى كان الجهاز يجيده فى عهد حبيب العادلى، إلى إعاقة بناء وإصلاح الكنائس وفق القانون الجديد، وصولاً إلى ظاهرة سب المسيحية وتكفير المسيحيين، التى امتدت لتصل إلى رجال الأزهر أمثال محمد عمارة، إلى أن وصلت إلى سالم عبدالجليل، وعبدالله رشدى.
نعم إحالة «عبدالجليل» إلى المحاكمة خطوة على طريق، لكن الأهم هو معاقبته بالقانون، نعم منعه وأمثاله من اعتلاء المنابر قرار شجاع، لكن الأهم أن يكون ذلك بمثابة سياسة عامة لا ردة فعل مؤقتة، والأهم أن كل ذلك هو تفعيل مواد الدستور، وتأسيس مفوضية منع التمييز، وإعادة النظر فى مجمل أدوات التنشئة من تعليم وإعلام وتلقين دينى وغيرها.

No comments:

Post a Comment