Translate

Friday, May 12, 2017

د. عماد جاد - كلمات قاتلة - جريدة الوطن - 12/5/2017

فى الوقت الذى تبذل فيه جهات عدة فى الدولة جهودها لتطوير الخطاب الدينى وتحديثه ودفعه نحو المشتركات الإنسانية، يواصل بعض رجال الدين السير فى الطريق المضاد، طريق التهجم على العقائد الأخرى، وبدلاً من بيان ما فى الدين من حض على كريم الأخلاق وعلى العمل الصالح والمحبة والتعايش، تجد البعض منهم يترك أرضيته الخاصة وينتقل إلى أرضية أديان أخرى يجتهد لبيان مدى فسادها وضلال من يتبعونها، يترك دينه لينال من الأديان والمعتقدات الأخرى، بل ويعطى نفسه الحق فى شرح وتفسير الأديان والعقائد الأخرى وبجرأة شديدة، دون أن يمتلك أدوات الاستيعاب حتى يشرح ويفسر، يخوض فى الأديان والعقائد الأخرى دون أن يتوقف أمام تأثير ما يقول على أتباع هذه الأديان.
الغريب والعجيب فى قصة الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل الأوقاف السابق، أن الرجل كان يقول كلاماً مختلفاً عندما كان يمثل وزارة الأوقاف فى الحوارات التى كانت تقيمها الهيئة الإنجيلية ومنتدى حوار الثقافات، كان يبدو معتدلاً ويستخدم لغة هادئة، وكان يركز فى كلماته على المشترك بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وكان يقول قولاً «ليناً». الغريب والعجيب أيضاً أن الرجل، وبمجرد خروجه من منصبه الرسمى، بدأ فى استخدام لغة خشنة للغاية وبدأ فى استهداف المسيحية، وأكثر من الحديث عن «ضلال» المسيحيين، بل وصل تطاوله إلى القول صراحة، وفى لقاءاته التليفزيونية، أن المسيحية عقيدة «فاسدة»، كان يقول ذلك بمناسبة ودون مناسبة، وكرر هذه الأقوال على مدار الشهور الماضية عدة مرات.
الغريب والعجيب أيضاً أن الرجل واصل هجومه على المسيحية دون اكتراث بمتطلبات العيش المشترك فى مصر والتى كان كثيراً ما يتحدث عنها فى كلماته فى مؤتمرات الهيئة الإنجيلية، واصل هجومه وكأنه يريد التوبة عن كل ما قال من لغة هادئة ومعتدلة فى فترة منصبه الرسمى، وواصل الهجوم أيضاً بعد زيارة تاريخية ناجحة للحبر الأعظم البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الذى جاء إلى بلادنا لينشر الحب والسلام، جاء إلينا ليقول إنه طلب من الكاثوليك فى أوروبا فتح منازلهم أمام اللاجئين المسلمين، وإنه استضاف عائلتين من لاجئى منطقتنا فى الفاتيكان، جاء إلينا وقال إنه ذهب إلى اللاجئين المسلمين وقال لهم: «أنتم تتبعون ديانة عظيمة هى الإسلام، فتمسكوا به». جاء إلينا يدعونا لأن ننشر الحب بيننا ولا نتوقف أمام الخلافات والاختلافات العقائدية وأن نجعلها فى قلوبنا ونعامل البشر كبشر والإنسان كإنسان بصرف النظر عما يعتقد ويعتنق من عقائد وأديان.
جاء بابا الفاتيكان ينشر الحب والتسامح، ويصلى من أجل مصر، قيادة وشعباً، جيشاً وشرطة، ويقول باللغة العربية «مصر أم الدينا، وتحيا مصر» ويرد عليه الشيخ سالم عبدالجليل إن «ديانتكم فاسدة وتعيشون فى ضلال».
السؤال هنا: لماذا أقدم الشيخ سالم عبدالجليل على قول ما قال، والتهكم على المسيحية دون مراعاة لشركاء الوطن، ودون تقدير لزيارة تاريخية لبابا الفاتيكان فى ظل ظروف صعبة تمر بها بلادنا؟
تفسيرى أن الرجل، وهو أزهرى كان يشغل منصب وكيل وزارة الأوقاف، يعلم تمام العلم أنه لن يحاسب على ما يوجه من إهانات للأديان والعقائد الأخرى، يعلم تماماً أن الفقرة (و) من المادة (٩٨) لن تطبق عليه وعلى أمثاله من المتطاولين على العقائد والمعتقدات الأخرى غير الإسلام، ويدرك تماماً أن هذه المادة التى وضعها الرئيس المؤمن بحجة حماية المسيحية من تجريح بعض رجال الدين الإسلامى، إنما استُخدمت فى المسار المعاكس، فقد حوكم بموجبها العشرات من المسيحيين بتهمة الإساءة إلى الإسلام، دون أدلة وزُجّ بهم فى السجون، كما حوكم بموجبها كتّاب ومبدعون ومجددون. يدرك سالم عبدالجليل أن الدولة التى لم تحاكم برهامى وأمثاله من السلفيين الذين يهاجمون المسيحية ليل نهار، لن تحاكم شيخاً أزهرياً تطاول على المسيحية.
كنا نعتقد أننا نسير باتجاه دولة مواطنة تقف على مسافة واحدة من الأديان والعقائد والمعتقدات، وأننا نتحرك باتجاه خطاب دينى جديد ومتجدد يُعلى من القيم المشتركة ويبعد عن التجريح فى عقائد المواطنين ومعتقداتهم، ولكن كلمات سالم عبدالجليل التى قالها فى برنامجه وخرج ليدافع عنها على شاشات الفضائيات، تقول لنا إن رجال الدين لدينا لم يغادروا القرون الوسطى بعد ويصرون على إطلاق كلمات كالرصاص القاتل وهم يبتسمون. الحل الوحيد هو تطبيق القانون على الجميع لا فى اتجاه واحد.

No comments:

Post a Comment