Translate

Sunday, May 28, 2017

د. عماد جاد - الإرهاب بين الداخل والخارج - جريدة الوطن - 28/5/2017

حدث تحول فى الفكر الإرهابى، بحيث باتت العضوية فى الجماعات الإرهابية، والانتماء إليها افتراضياً، بمعنى أن التطور التكنولوجى، لا سيما فى الفضاء الإلكترونى، جعل الانتماء إلى الجماعات الإرهابية انتماءً فكرياً، وذلك بعد أن كانت العضوية فى هذه الجماعات تنظيمية، بمعنى أن كل جماعة تعلم بدقة عدد أعضائها، وأماكن وجودهم، وتتواصل معهم عبر تسلسل تنظيمى واضح، صحيح أن الكوادر والأعضاء ربما لا يعرفون القيادات العليا، لكن الأخيرة تعلم بدقة عدد الأعضاء وهوياتهم وأماكن وجودهم، ومن ثم عندما تريد استخدام أو توظيف أىٍّ منهم، تصدر التكليفات التى تنتقل إلى أسفل، وفق التسلسل التنظيمى. أما اليوم فقد تراجع الانتماء التنظيمى العضوى، فقط الإيمان بأفكار الجماعة أو التنظيم، ومبايعة الأمير أو الخليفة إلكترونياً، ثم القيام بأى عمل فى إطار عمليات «التنظيم».
وفق هذه الرؤية، بات الانتماء إلى الجماعات والتنظيمات الإرهابية فكرياً، والصلة إلكترونية، صحيح أن للتنظيم أو الجماعة مقرات قيادية ومصادر للتمويل، لكن الصحيح أيضاً أن الأنصار والموالين منتشرون فى مدننا وقرانا، وموجودون بيننا ويعلنون أفكارهم بكل وضوح.
مهم توجيه ضربات مباشرة إلى معاقل التنظيمات الإرهابية، لكن الأكثر أهمية هو التعامل مع الفكر الإرهابى، وفق منظومة متكاملة ترى الإرهاب وليد بناء فكرى وشبكة عضوية وأفراد يُنفّذون الأوامر والتعليمات، أو ينفّذون أعمال القتل، والتفجير والدهس، من تلقاء أنفسهم، مع إعلان الانتساب إلى «التنظيم» أو إعلان «التنظيم» مسئوليته عن هذه العمليات.
للإرهاب مكونات ثلاثة، الأول فكرى ومعرفى، والثانى انفعالى أو تحريضى، والثالث سلوكى أو القيام بالعمليات الإرهابية، وحتى تواجه الإرهاب لا بد من منظومة متكاملة تتعامل مع المكونات الثلاثة، فالمكون الأول، وهو الفكرى أو المعرفى يخص كل ما يجرى تدريسه فى البلاد فى مناهج التعليم المختلفة، كل ما يُدرس فى المعاهد الأزهرية، ومكونات العملية التعليمية المختلفة، وما يُنشر فى البلاد من أفكار ومفاهيم وما يُروج له رجال الدين. وهو مكون يحتاج إلى مراجعة شاملة من قِبَل الدولة. أما المكون الثانى، وهو الانفعالى أو التحريضى فيخص كل ما يُقال على المنابر وفى الفضائيات وجميع وسائل الإعلام، الخطاب الموجود فى المجتمع، وهو خطاب ينبثق من المكون الفكرى أو المعرفى، بمعنى حسب المكون الفكرى أو المعرفى يكون الخطاب السائد فى المجتمع، وإذا نظرنا إلى المكون الفكرى سوف نجده أحادى الوجهة من الناحية الدينية، فللدولة دين وطائفة تتبنّاها وتعمل على نشرها ومقاومة سواها من الأديان والطوائف، (انظر مادة الأزهر فى دستور البلاد الصادر عام ٢٠١٤)، الخطاب السائد تكفيرى يهاجم مباشرة الأديان والعقائد والمعتقدات الأخرى، بل يركز هجومه على المسيحية بشكل مباشر. أما المكون الثالث وهو السلوكى، ونعنى به قائمة من التصرفات والأفعال فتبدأ بالتجنّب والابتعاد عن الآخر المختلف، وتنتهى بالإبادة الجماعية عبر الاستهداف على الهوية بشكل جماعى، مثل التفجيرات الانتحارية والقتل العشوائى على الهوية.
المؤكد أن إقدام الدولة المصرية على شن غارات انتقامية على مواقع تنظيم داعش فى ليبيا أمر محمود، لكن الأكثر أهمية من كل ذلك بدء عملية شاملة لمواجهة الإرهاب فى الداخل، عملية تبدأ بالمواجهة الفكرية عبر إعادة صياغة كاملة لكل ما يجرى تدريسه، ونشره فى البلاد، لكل مناهج التعليم، ولجميع أدوات التنشئة المعروفة علمياً، وأيضاً مواجهة عمليات التحريض التى تتم ليل نهار، ومحاسبة كل المسئولين عن هذه الجرائم، وأخيراً العدالة الناجزة بسرعة صدور الأحكام على القتلة والمجرمين وتنفيذ هذه الأحكام دون إبطاء، لدينا حالة طوارئ سارية، ولدينا أيضاً حق إحالة الإرهابيين إلى المحاكم العسكرية، فلماذا إذاً الإبطاء؟

No comments:

Post a Comment