Translate

Sunday, May 21, 2017

خالد منتصر - مصر تعانى من تضخم فى غدة اليقين - جريدة الوطن - 21/5/2017

الحوار فى مصر صار أشبه بمعارك العشوائيات التى تستخدم فيها السنج والمطاوى، ما إن تسأل من تحاوره ليه وإزاى؟، حتى يهيج ويميج ويرغى ويزبد ويسب ويلعن، مستهجناً ومستنكراً كيف تسأل وتتساءل أيها الفسل وما أقوله هو ثابت ويقينى!، وصلت إلى نتيجة تنتظر مزيداً من الدراسة بالأرقام، هى أن مصر مجتمع يعانى من تخمة بديهيات وتضخم فى غدة اليقين!، والمجتمع الذى يريد أن يتحضر لا بد أن تقل يقينياته الجازمة وتزداد شكوكه وعلامات استفهامه وأسئلته، لا بد من حين لآخر أن يغربل بديهياته وما يطلق عليه ثوابت، لا بد أن يتقبل تلك الغربلة برحابة صدر وابتسامة رضا وحضن تفاؤل، أوراق تحاليل مصر توضح أن هناك زيادة سرطانية فى نسبة هورمونات التكلس والتحنط المفرزة من غدة اليقين، تريدون قبول العلم، إذن العلم هذا هو منهجه، ضع نظريتك العلمية بيقين ولكنه يقين إلى حين، هذا هو معنى اليقين العلمى، اكتب معادلتك وانشر نتائجك العلمية متوقعاً بل طالباً من الجميع أن يطلق سهام التشكيك عليها، وإن صمدت صارت قريبة من الصحة، وإن أصابها سهم راجع نفسك لمزيد من إصلاح وترميم النظرية.. وهكذا، لا تفزعنى بقولك إنت مين عشان تشكك فى أقوالى واستنتاجاتى، فالحقيقة العلمية لا تقاس بشهرة أو مكانة الشخص، لا ترهبنى قائلاً إنت هتيجى إيه إنت يا صعلوك بين الملوك ده كل الناس مصدقة ومتبنية تلك الأقوال، الحقيقة لا تقاس بمدى انتشارها، فكما قال برتراند راسل لو 50 مليون اعتنقوا فكرة غبية ستظل غبية!، لا تصرخ فى وجهى ده البشر منذ ألفين سنة وهم متأكدون من تلك الحقيقة، أصدمك بأن الحقيقة ليس معيارها أنها خارجة من رحم الماضى ولا تقاس قوتها بعدد السنين التى مرت عليها، الحقيقة ليست خمراً معتقة ولا تعرف التعتيق، ولكنها محققة ومعيارها التحقيق، قبل أن تنتفض وتنتفخ عروقك وأنت تلقى بقنبلة يقينك الجازم فكر فى علامات الاستفهام التى تخلخل ذلك اليقين، افتح مسام عقلك، وشاهد كل ألوان الطيف، راقب كل زوايا ووجوه قطعة الكريستال، سيقل تطرفك وتزمتك وستنخفض درجة حرارة فاشيتك، جاليليو الذى هو سبب كل ما نعيش فيه من نعم كما قال راسل، أصاب يقين رجال الكنيسة فى مقتل عندما قال معيارى الفلكى لإثبات صحة دوران الأرض حول الشمس هو تليسكوبى وليس كتابى المقدس، قال جاليليو أحترم النصوص المقدسة لكن مجالها ليس البحث العلمى ودراسة الطبيعة والكون، مجالها المثل العليا والقيم والأخلاق، وليس الفيزياء والبيولوجى والكيمياء، نجح جاليليو فى صدمته بعد أن دفع الثمن، وانتظر قرنين، لكى تعتذر له الكنيسة، تم تخفيف اليقين الأوروبى والصلف الراسبوتينى هناك، ولذلك تقدموا، ولأن العلم التجريبى والاختراع والاكتشاف كان قد اغتيل بيد الخلافة العثمانية فى مجتمعنا الإسلامى، فقد حاول طه حسين تطبيق نظرة العلم التشكيكية وزلزلة اليقين فى مجال آخر بعيد عن العلوم التجريبية وهو مجال الأدب، وبالذات مجال الشعر وبالأخص الشعر الجاهلى، حاول أن يطبق منهجاً مختلفاً لا يعتمد فيه على النص المقدس الذى تعلم فى فرنسا أن إبعاده عن كونه مصدراً لدراسة الأدب الجاهلى لا يعنى إطلاقاً عدم احترامه له أو إهانته إياه، لكن الفرق بيننا وبينهم أن مشروع طه حسين قد أجهض برغم تبرئته القانونية، وانتفض الأزهر وباعه سعد زغلول مع أول مظاهرة من شباب الأزهر الغاضب، واضطر «طه» أن يعتذر ويشطب ويعدل أو بالأحرى يشوه مشروعه ويقصقص ريش أجنحته فلا يحلق بالعقل الإسلامى خارج قفص العنعنات والتقليد والتزمت، هناك فهموا سر التقدم، أما هنا فما زلنا لم نفهم بعد أو ما زلنا لم ندفع ثمن هذا الفهم بعد.

No comments:

Post a Comment