Translate

Sunday, May 14, 2017

خالد منتصر - قصة جروب تحول إلى جيتو - جريدة الوطن - 13/5/2017

وصلتنى تلك الرسالة المؤلمة من طبيب العيون د. حاتم أيمن، رسالة فى عمقها لها دلالة خطيرة، برغم أنها تظهر على السطح مشكلة سطحية، خطورتها أنها بين نخبة وكريمة المجتمع، كلهم أرقى تعليماً وأفضل مستوى اجتماعياً، ولكن سوس الطائفية ينخر فى تجمعهم ويحولهم إلى جيتو شبيه بجيتوهات اليهود!!، أترك لكم «د. حاتم» يحكى لكم فيقول:
ترددت كثيراً قبل إرسال هذه الرسالة، إلا أننى أدركت أن بعض الجروح التى قد تبدو سطحية وبسيطة تستلزم التدخل الجراحى الفورى وإلا الكارثة، القصة تبدأ يا سيدى أنه يمر هذا العام 25 سنة على تخرجنا فى كلية الطب جامعة عين شمس، وقرر اثنان من الزملاء الاحتفال بهذه المناسبة فى أحد الفنادق الكبرى، وللتنسيق لهذا الحفل تم عمل جروب على أحد مواقع التواصل وضم الجروب ما يقرب من 240 من زملاء الدفعة، وبعد أن هدأت عاصفة التعارف الأولى بدأت تتسلل تدريجياً على الجروب بوستات دينية من نوعية (انشرها جزاك الله خيراً وفيديوهات لمشايخ أغلبهم وهابى) من الإخوة الزملاء حتى أصبحت ظاهرة يومية، متجاهلين تماماً أن الدفعة بها مسيحيون أيضاً، وأنهم موجودون على الجروب وأن هذا الجروب لا علاقة له بالدين من الأساس بل هو جروب إجرائى وهدفه اجتماعى بحت، أصبحت هذه البوستات الدينية يومية وتحول جزء كبير من النقاشات إلى نقاشات دينية عن حرمانية هذا الفعل أو ذاك، وفتاوى فلان ولينكات لتفسير القرآن، لاحظت أن نمط خروج الزملاء قد تغير، ووتيرته زادت، وأن الأغلبية الساحقة ممن باتوا ينسحبون من الجروب هم الزملاء المسيحيون الذين بدأوا فى الخروج من الجروب تباعاً وبصورة يومية وبهدوء وبدون تعليق إلا أن أحداً من الزملاء المسيحيين ممن أراهم فى محيط العمل وممن انسحبوا من الجروب، أسرَّ لى أن ما يحدث فى الجروب هو تكرار متسارع لما كان يحدث أيام الكلية طيلة 6 سنوات بوتيرة أبطأ حتى تحولت قاعات المحاضرات بحلول السنة النهائية إلى ما يشبه الجيتوهات، وحدثت الطامة الكبرى يوم السبت الماضى عندما نشرت إحدى الزميلات مقالاً مطولاً عن أباطيل الديانة المسيحية أو ما شابه!، وحاول أحد الزملاء المسيحيين الاعتراض بأدب جم أن هذه المسائل لا يصح نشرها هنا، ومع ذلك فإنه لن ينسحب من الجروب إعزازاً وتقديراً لزملاء الدفعة واعتذرت الزميلة فى النهاية بأدب جم، والمؤسف أن البعض انبرى فى الدفاع عن حقها فى نشر ما تراه بل واندهش أحد الزملاء من أن أحداً لم يناقشها فيما كتبته!، حاولت أنا ومعى كثيرون من زملاء الدفعة النابهين التنبيه على الجميع برفق أنه لو تكررت هذه البوستات فإنه مع اقتراب موعد الحفلة سينسحب قطاع معين منا ولن يحضر الحفل، واتفق الجميع على عدم نشر مثل هذه البوستات التى ترفض (الآخر) علناً وأن ما فى القلب فى القلب، لكن استمرت البوستات الدينية العادية بل زادت زيادة كبيرة، وأزعم أنها زيادة متعمدة، واستمر انسحاب الأطباء المسيحيين من هذا الجروب الإقصائى إلى أن انسحبت أنا أيضاً فى النهاية، وهذه القصة رغم أنها قد تبدو قصة تافهة وساذجة وغير مهمة فإن هذا الجروب هو نموذج مصغر لوطننا العزيز، نموذج للأغلبية التى ترى أن (الآخر كافر وديانته باطلة وكتّر خيرنا إننا سايبينه يعيش معانا من غير ما نقتله)، نموذج لجمهور الشعب الذى لا يرى أى غضاضة فى فرض رؤى دينية معينة على المجتمع ككل بلا أى اكتراث لتركيبة هذا المجتمع التى كانت ثرية ومتنوعة وأمست فقيرة وإقصائية، ونموذج لطائفة أصيلة من الشعب اختارت الهجرة إما هجرة خارجية إلى الغرب وهى الظاهرة التى ميزت هجرة المسيحيين المصريين فى العقدين السابقين، أو الهجرة الداخلية أو التقوقع بعد 2013 بعد أن أصبحت حكومات الغرب تفضل هجرة المتطرفين الإسلاميين إلى أراضيها وتضيق الخناق تماماً على بقية المصريين، ولكن ثمة نموذجاً إيجابياً أيضاً وهو إصرار قطاع صغير من المصريين بدأ يتسع ويعلو صوته ألا نيأس أبداً من محاولات الإصلاح وأن نتمسك بوطننا مهما زادت الضغوط أو علت أصوات دعاة التكفير والإقصاء.

No comments:

Post a Comment