Translate

Thursday, May 25, 2017

خالد منتصر - هل هذه حقاً بديهيات دينية؟ (1) - جريدة الوطن - 26/5/2017

دين أم تدين؟!، هذه هى مشكلتنا فى أى حوار حول ما يُطلق عليه تجديد الخطاب الدينى فى مصر، وهو اسم خادع للمفروض أن يُطرح، وهو تجديد الفكر الدينى، الدين هو الخطوط العامة والأحكام الأخلاقية والمانشيتات الأساسية والأفكار الكبرى والكود الضميرى والإطار الحاكم والمفاهيم الأولية، أما التدين فهو التفاصيل التى أضفاها البشر على تلك الأحكام الإلهية الأخلاقية العامة، من أضافوا وفصلوا وشرحوا وفسروا هم بشر فى النهاية، سواء ناقل حديث أو مفسر قرآن أو صاحب فقه، كلهم بشر لهم اجتهادهم فى إطار زمانهم ومكانهم وظروفهم، الله وضع إطار العدل كخط عام، كمانشيت، تأتى تفصيلة قطع اليد لتحقيق هذا العدل بنت زمانها ومكانها وظروفها القبلية وأساليبها العقابية المختلفة والتى من الممكن بل من الطبيعى والمفروض أن تختلف عندما يختلف الزمان والمكان والظروف، من المؤكد أن زمن سرقة الدابة أو الحرز مختلف عن زمن سرقة حسابات البنوك بالهاكر والباسوورد!، عندما يحتدم الجدل وتشتد حرارة المناقشة بين دعاة الدولة المدنية وبين دعاة الدولة الدينية يلجأ الطرف الثانى دائماً إلى إشهار كل أسلحته التى يدّعى أنها من البديهيات الدينية سواء كانت آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أحكاماً فقهية، وذلك لكى يفحموا الطرف الأول ويحسموا الصراع لصالحهم، وغالباً ما يؤثر دعاة الدولة المدنية السلامة إذا وصل النقاش إلى هذا الحد خوفاً من تهمة الكفر والإلحاد والازدراء، وهروباً من التراشق بالنصوص وما يليها من مآزق، ولأن دعاة الدولة الدينية أصحاب باع طويل ويد عليا فى هذا المجال فإن أى محاولة لاقتحام ملعبهم هى من قبيل الإمساك بجمر النار، ومع أننى من مؤيدى الحوار السياسى السياسى وليس الدينى الدينى؛ لأن طريقة الحوار الأولى تضيف إلى الرصيد وتمس المصالح وتكشف الغرض، أما الطريقة الثانية فتسحب من هذا الرصيد وتتلاعب بالمشاعر وتخفى الهدف، فإن هذا لا يضطرنا لأن نقف مكتوفى الأيدى أمام هؤلاء عندما يستخدمون هذه النصوص أو البديهيات لسبب بسيط جداً وهو أنها ليست ببديهيات، فالنص له عدة مستويات؛ الأول منها «النص فى حد ذاته» وهو البديهية التى نتعامل معها بكل إجلال وتبجيل، والمستوى الثانى فهم هذا النص بواسطة الفقهاء القدامى، والثالث استخدام هذا الفهم لإحراز انتصارات سياسية وإضافة قداسة دينية مطلقة على مصالح بشرية مؤقتة، وهذان المستويان الثانى والثالث من المفروض بل من الواجب مناقشتهما ونقدهما، الثانى مجاله النقاش النظرى، والثالث مجاله الساحة السياسية، إن ما يدعونه بديهيات ليس كذلك ومحاولة اكتشاف جذور البديهيات والأسباب التى قيلت فيها والملابسات التى أحاطت بها وحتى قراءة تفاسير وشروح القدماء الذين كانوا للأسف أكثر جرأة منا على تأويل النصوص والاجتهاد فيها بمعيار زمانهم، كل هذا لا يجعلنا نلجأ إلى التقية فى مناقشة هذه الأمور ولا إلى الخوف والفزع حين يلقى أحدهم فى مناقشته بمثل هذه النصوص، وهذه محاولة لمناقشة هذه البديهيات التى تمتلئ بها أدبياتهم وحواراتهم وكشف كم الخلط فى هذه البديهيات، ومقدار الزيف فى محاولة إقحامها بكل تعسف ولىّ لعنق الحقيقة انتظاراً لمكسب سياسى رخيص وزغزغة لمشاعر الملايين ممن افترسهم الجهل فأعماهم عن رؤية الحق، وعضهم الفقر فانجذبوا لحلم الآخرة الموعود، الذى سيعوضهم عن جفاف الواقع. ولنبدأ بأولى هذه البديهيات غداً إن شاء الله.

No comments:

Post a Comment