Translate

Tuesday, May 2, 2017

سحر الجعارة - ابتسم.. أنت على «الفيس بوك» - جريدة الوطن - 3/5/2017

مصر التى فى «الفيس بوك»: جريئة ومتمردة ومشاغبة، خجول وانطوائية، مؤمنة وكافرة ومترددة، حائرة تتقلب بين وجوه البشر، بين حالاتهم وأحوالهم.. ترقص وتغنى وتغضب وتصرخ وتدعو من القلب «على مين يعاديها».
وكأنه «هايد بارك» أو «برلمان شعبى» استبدل به البشر واقعهم المأزوم بعالم أكثر رحابة، يستوعب تنوعهم واختلافهم (أو لا يستوعب)، المهم أن يشعر كل فرد أنه محلل سياسى وخبير أمنى وشاعر وكاتب وفنان من طراز لا يسمح بمنافسته.. فقد قرر أنه فوق المنافسة.
المواطن هنا أقوى من الحكومة وأكثر تأثيراً، جذاب ومبهر وأكثر انتشاراً من برامج «التوك الشو»، لأنه يعبر عن «ذاته» دون خجل أو مواربة، دون تجمل أو دبلوماسية.
ملايين البشر اختاروا أن يؤسسوا «جمهوريتهم» داخل الشبكة العنكبوتية، أن يسكنوها ويمتلكوها، لكن الغريب أنهم أعادوا إنتاج واقعهم بريشة فنان كاركاتير لاذع، جعل الواقع أكثر فجاجة وإيلاماً للبعض! فى «جمهورية الفيس بوك» أسماء مستعارة، وصور مفبركة، وأخلاق مزيفة، وقناعات مفتعلة تتبدل كل يوم، إنها جمهورية بألف وجه، ومالك الفيس بوك نفسه «مارك زوكربيرغ» قرر أن يلعب بعقلك ومشاعرك، ويصنّفك تصنيفاً حاداً مع من يشبهونك، لتجد نفسك فى صباح الجمعة تنشر بوستات «جمعة مباركة» ومن حولك أصدقاء كثر يرددون نفس المعنى.. أو تنشر أنت والأصدقاء لوحات دينية (مسيحية وإسلامية).
إذا نظرت من الجهة المقابلة، ستجد «مارك» قد وضعك فى خانة «ليبرالية» لا تعترف بالجمع ولا الآحاد، كل أيام الله مباركة، خانة لا تشترط الديانة لتحديد شخصيتك، يكفى أن تكون إنساناً، أن تعترض على «تفخيذ الطفلة» أو تناصر حقوق الأقباط، وتدريجياً لن تعترض على وجود «البهائيين» ولن تنتقد الملحدين.. ربما نضجت على نار الاحتكاك بالآخر أو التزمت بحياد يجنبك الصدام.
لكن الصدام قائم، والفتنة موجودة، فهذا «عالم حر» بعيداً عن قوانين مطاطة جاهزة لرميك خلف القضبان، بتهم «تهديد الأمن والسلم الاجتماعى، وإشعال الفتنة الطائفية».. فمصر التى فى الفيس بوك متعصبة بالفطرة، مغرمة بالكراهية.
«جمهورية الفيس بوك» لها قانونها الخاص، فهى لا تعترف بمطالب نائب، فى المجلس الموقر، يبحث عن قانون لغلق مواقع «التواصل الاجتماعى» أثناء الانتخابات الرئاسية المقبله، وغلقها أيضاً أثناء أى انتخابات أخرى تجرى بمصر، بزعم منع تأثيرها على إرادة الناخبين.. لقد صُممت مواقع التواصل الاجتماعى خصيصاً للتأثير فى اتجاهات الرأى العام وتوجيه إرادة الناخبين!.
إنها «أحزاب معارضة» شرسة، تقيس الواقع على برنامجها، فترفض اتفاقية «تيران وصنافير» أو قانون «تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية»، تناقش «شيخ الأزهر» وتقيّم أداء «الكنيسة»، وتناكف أى مسئول أو كاتب أو صاحب رأى طالما ارتضى أن يدخل أرضها.
مصر التى على الفيس بوك: «وطنية» حتى النخاع، تستبسل فى تأييد الرئيس «السيسى»، وتفتك بخصومه، (أو من تراهم هكذا)، وتعزف نغمة واحدة لتأييد أى حدث وطنى.. لكنها «فاشية» أحياناً تصادر الآخر، وتصنّفه إما فلول أو إخوان وتغتاله بالتشهير وكليبات القص واللزق!
أما «نجوم التواصل الاجتماعى» فشعارهم «البقاء أون لاين حتى الموت»، نجوميتهم لا تقاس بالخبرة أو الحكمة أو المعرفة، بقدر ما تقاس بالصمود فى أى نقاش والتحدى فى أى جدال.. وكثرة «المتابعين».. والآن بدأ العالم الواقعى يبحث عن نجومه من بينهم، ليكتبوا فى الصحف، ويظهروا على الشاشة، وكأنه تبادل متابعين بين الواقع والعالم الافتراضى.
مصر التى على الفيس بوك: «حزينة»، «جائعة»، تشكو غلاء الأسعار، وجشع التجار، وتطرح أصنافاً بديلة للبروتين الحيوانى، ووصفات لعلاج أعراض أكل «لحم الحمير».. لكنها «راضية»، مستسلمة أحياناً لا تملك إرادة التغيير.
مصر التى على الفيس بوك: «عاشقة» و«مبدعة»، لا تبحث عن الديانة إلا لتقفز على خانة «الحالة الاجتماعية»، وكأن الشبكة العكنوتية خيوط حريرية تجدل أحلام الصبايا والأرامل وتقدم البدائل للأرمل والمطلق.. وتطرد عن ذهنها كل ما ذكرته من خلافات سياسية وصراعات دينية.. لأنها تبحث فقط عن «ابن أو بنت الحلال».
إنه عالم ثرى، تافه وعميق، نحبه رغم غرابته، ونتشبث بجودنا فيه تعويضاً عما نفقده فى الواقع، تختار فيه أن تكون نفسك أو تكون عكس نفسك بـ«حساب وهمى»، تتمتع فيه بحق «الحظر» بينما الواقع يخترق خصوصيتك ويؤثّم أفكارك ويجرّم مشاعرك.
إنه العالم الذى يمنحك حرية غير مشروطة، وبهجة مجانية، العالم الذى يعترف بك فى هيئة «قطة أو كلب» ما دمت تحمل وردة أو قلباً، لكنه أيضاً العالم الذى يضعك دائماً فى مفترق طرق بين نقيضين.. وعليك وحدك أن تختار.
ارسم «سمايل فيس»، وخذ صورة «سيلفى»، فأحياناً يكون هذا جواز المرور لدنيا الفيس بوك.. واحتفظ بكلمة السر بعيداً عن شريك/شريكة حياتك.
كن نغمة، أو لوحة، أو حكمة.. ستجد هناك دائماً عقلاً يفهمك وآخر يرفضك.

No comments:

Post a Comment