Translate

Thursday, May 25, 2017

د. عماد جاد - ماذا تريد قطر؟ - جريدة الوطن - 26/5/2017

هى دويلة صغيرة للغاية فى الخليج العربى، شبه جزيرة، بمعنى أنها ليست جزيرة كاملة محاطة بالمياه من جميع الجوانب، فهى ملتصقة بالامتداد الأرضى لشبه الجزيرة العربية متواصلة مع المملكة العربية السعودية. تنفرد قطر من بين دول الخليج العربى بعدم استقرار السلطة من خلال الانقلاب على سلطة الأب، فعلها الأمير الأب على والده، وجرى انقلاب ناعم أو تغيير رأس النظام لمصلحة الأمير الحالى. ورغم أنها دويلة صغيرة فإنها تمردت على المساحة والمكانة وبدأت تبحث عن دور يتجاوز القدرات الشاملة وذلك عن طريق التمرد على التاريخ والجغرافيا، مستفيدة من تراكم مالى ضخم بفعل اكتشافات الغاز الهائلة. وظفت الإمارة الصغيرة إمكاناتها المالية الضخمة فى ممارسة سياسة خارجية خارج السياق الخليجى، تمردت على القيادة السعودية لمجلس التعاون الخليجى، أثارت مشاكل ترسيم الحدود، لم تغفر لمبارك دوره فى التحكيم الخاص بمنطقة حدودية، فقد أعلن سعوديتها بعد أن ارتضى الطرفان حكمه. أسست الإمارة الصغيرة منظومة إعلامية هائلة بدءاً بقناة ثم سلسلة قنوات الجزيرة باللغات المختلفة والمواقع الإلكترونية والصحف، استخدمت الرشاوى المالية المباشرة فى شراء الذمم فى كل المجالات، اتجهت إلى اقتناء اللوحات وقطع من التراث العالمى بأسعار باهظة، قامت بتجنيس لاعبين من شتى أنحاء العالم فى مجالات الألعاب المختلفة بحثاً عن ميداليات تسجل اسم الإمارة فى سجل الاتحادات العالمية، جنست أوروبيين وعرباً ولاتينيين فى شتى مجالات الألعاب. خاضت سباقاً شرساً للحصول على شرف تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، ودفعت رشاوى ضخمة حتى حصلت على ما تريد لتنظم بطولة كأس العالم لكرة لقدم الدورة بعد المقبلة أى عام ٢٠٢٢، وحصلت على ذلك بعد منافسة شرسة مع دول عريقة من أوروبية ولاتينية وآسيوية مثل الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.
رويداً رويداً كشفت الإمارة الصغيرة عن طموحاتها التى تبين أنها لانهائية وغير محددة بمجال معين، واضطرت فى سبيل ذلك إلى الدخول فى لعبة الجمع بين المتناقضات، ففى الوقت الذى وجهت فيه شبكة قنوات الجزيرة لتكون أبواقاً للحركتين القومية والإسلامية، منحت أكبر قاعدتين عسكريتين للولايات المتحدة ومنهما تم ضرب العراق واحتلاله عام ٢٠٠٣. وفى الوقت الذى استضافت فيه القاعدتين، نسجت شبكة قوية من العلاقات مع إيران وسوريا وحزب الله. وفى الوقت الذى كانت الجامعة العربية تربط التطبيع مع إسرائيل بالتسوية السياسية الشاملة، سارت الإمارة الصغيرة فى طريق التطبيع مع إسرائيل واستقبلت قيادات الدولة الإسرائيلية فى الدوحة علناً. ثم قبلت الإمارة بلعب دور «المحلل» لمخطط «الربيع العربى» وواتتها الفرصة كى تصفى حساباتها مع كيانات كبيرة فى المنطقة وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبدأت روابطها مع جماعة الإخوان المسلمين فى التبلور بوضوح، وقامت بالمشاركة فى تنفيذ المخطط الخاص بالشرق الأوسط الجديد، أو إعادة صياغة المنطقة بالكامل عن طريق تفتيت الكيانات الكبيرة، وسعت إلى استثمار الفوضى التى انتشرت فى المنطقة من أجل تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السلطة فى دول «الربيع العربى» ومن ثم حصول الإمارة على مكانة مميزة فى هذه الدول على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، لذلك وجدت قطر بقوة فى الدول التى عصف بها «الربيع العربى»، وجدت فى تونس، ومصر، وليبيا وسوريا بأشكال مختلفة وطرق متنوعة ضمن سياق إعادة تخطيط المنطقة بالكامل، وهو المخطط الذى تلقى ضربة قوية للغاية بفعل ثورة الثلاثين من يونيو فى مصر، وكان بداية تحول شامل.

No comments:

Post a Comment