Translate

Wednesday, March 2, 2016

رامى جلالعلى أرض الوطن - جريدة الوطن 3 مارس 2016


فى اختزال مخل بعض الشىء يمكن تقسيم عموم أصحاب الرأى فى الصحف الآن إلى فريقين كبيرين، بكل منهما درجات متباينة وأنواع مختلفة، الفريق الأول متطرف على الجانب الموالى للحكم، والآخر مثله على الجانب المعارض للسلطة، أدوات النوع الأول هى التلاعب بالألفاظ للإيحاء بأن كل شىء تمام، وتقنيات الصنف الآخر هى الصوت العالى لتبيان أن لا شىء على ما يرام.. التلاعب بالألفاظ سيغرق السفينة، والصوت العالى لن ينقذها.
الإعلام الموجود عندنا الآن يشبه ما كان سائداً فى فرنسا أواخر القرن الثامن عشر، حيث الزعيم محور الكون، ودرجة قوته تحدد التوجه؛ فحين فر نابليون من جزيرة «ألبا» عام 1815، تابعت إحدى الصحف الباريسية أنباء فراره فى مقالات نُشرت فى ستة أيام مختلفة، جاءت عناوينها كما يلى بالترتيب: «فرار وحش كوستاريكا».. «وصول السفاح الأكبر إلى خليج جوان».. «المغتصب يدخل مدينة جرينويل».. «بونابرت يقترب من مدينة ليون».. «نابليون يشق طريقه إلى فونتانبلو».. «صاحب الجلالة الإمبراطور يصل غداً إلى باريس المخلصة»!
وبشكل عام، أن يُسمح لك فى مصر بإبداء رأيك بحرية فهذا حدث مهم للغاية؛ لأن أرضنا عُرفت بغلق أبواب الحديث وليس بفتح منابر الحوار، فبلاد الدنيا نوعان؛ الأول يفتح عقل المواطن ليفكر، والثانى يفتح دماغه إذا فكر! والبلدان العربية تُصنف مسجل خطر من الفئة الثانية؛ فنحن أعظم من أنتج الكلمة (راجع ديوان العرب)، وأحسن من يطاردها (تابع قضايا الرأى).
«الوطن» أرض جديدة، ومساحتى فيها هى صحيفتى التى سأملؤها بما شئت، مقدماً بضاعتى للقارئ، الذى هو منبع قيمتى، والحكم فى النهاية للتيار العام، وليس لشريحة بعينها، لأنه بجانب أن إرضاء الجميع مستحيل، فإن محاولة فعل ذلك عبث! وجميعنا يعلم أنه «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، هذة ثقافتنا الأصلية، ومع ذلك فإن بعض القراء فى بلداننا لم يستوعبوا حتى فكرة «جون ستيوارت ميل» أنه «إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفاً، فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيامه هو بإسكات كل البشر إذا توافرت له القوة».. البعض يستفيد من «قبح» الحال فيسعى إلى «كبح» الحريات ويفرح بـ«نبح» المرتزقة الداعين لـ«ذبح» الأفكار.
على مستوى ثان، فالبعض يكتب «أى كلام» أو «طق حنك» ويتحجج بأن سقف الحرية منخفض، حجة البليد انخفاض السقف، مع العلم أنه يمكننا بكل بساطة أن نتخطى الأسقف ونصعد فوق السطوح لنقول ما نريد، فعظمة الإنسان أن يُبدع من بين القيود. أما على مستوى الصحف نفسها، فإن مصر مليئة بصحف لا تزيد قيمة بعضها على صحيفة الحالة الجنائية لأصحابها، وبعضها الآخر إضافات لامعة فى تاريخ الصحافة العربية. وآمل أن أقدم على أرض «الوطن» ما قد يفيد.. نلتقى الأسبوع المقبل.

No comments:

Post a Comment