Translate

Monday, March 28, 2016

لماذا أزعجتكم كلمات أوباما الصادقة والصادمة؟ بقلم د. طارق الغزالى حرب ٢٨/ ٣/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

على مدى عدة أيام كتب الأستاذ مكرم محمد أحمد فى عموده اليومى بالأهرام رأيه فيما جاء فى حوار الصحفى الأمريكى جيفرى جولدبرج المُطول مع الرئيس الأمريكى أوباما الذى نشرته صحيفة «أتلانتيك»، وانتهى تعليقه على تصريحات الرئيس أوباما بطلبه من المواطنين الذين يقرأون له بألا يصدقوا الرجل فيما قاله!!
فى الحقيقة إننى على عكس ما طلبه الأستاذ مكرم، شعرت بعد قراءتى لبعض ما جاء من آراء لأوباما عن منطقة الشرق الأوسط أننى أصدقه تماماً، وأن ما قاله هو ما يُقال فعلاً فى الغرف المُغلقة ولا يعرف الناس عنه شيئاً، بل وأقر وأعترف بأن ما قاله هو عين الحقيقة التى نحاول نحن هنا فى بلاد الشرق الأوسط البائس أن نتعامى عنها وهى واضحة وضوح الشمس لكل صاحب بصر وبصيرة، ويجرى فى بلادنا ما يؤكدها بل وتصنع على أعيننا كل يوم، بغض النظر عن دور أمريكا المشبوه فى الاستفادة من هذه الأوضاع البائسة.. وأتعجب من محاولات نخبتنا المثقفة وقادة الرأى إقناع عامة الناس منذ عقود طويلة بأن المشكلة فى غيرنا وفى التآمر علينا وليست فينا نحن بأفكارنا البالية وعقولنا المُتحجرة. الرئيس أوباما - وهو من الرؤساء الأمريكيين ذوى الثقافة العالية وليس مثل بوش الابن مثلاً - أعرب عن رغبته فى أن تحاول أمريكا تجنب مشكلات الشرق الأوسط بقدر الإمكان، لأنه يرى أن هذه المنطقة غارقة فى الماضى ولا تدير وجهها تجاه المستقبل.. ولا أظن أن هناك أحداً يمكن أن يجادل فى هذا الرأى، فصراعاتنا مذهبية قبلية جذورها منذ آلاف السنين، ومعظم ما نسمعه فى برامجنا الإعلامية ومن على منابر مساجدنا ومكتوب فى صحفنا يبدأ وينتهى بالاستشهاد بما كان فى العصور الأولى للإسلام وما كان عليه من يسمونهم بالسلف الصالح، إلى الحد الذى انتشرت معه الدعاوى والأفكار السلفية وتغلغلت بين صفوف عامة الناس، واستخدم أئمة هذه الدعوة كل الأساليب الممكنة لتمكينها فى عقول البسطاء، بدءاً من تقديم الخدمات الأساسية للفقراء وانتهاءً بإنشاء أحزاب سياسية تحت عين وبصر السلطات. قال أوباما أيضاً عن التحالفات التى تتم فى المنطقة أن أهل هذه البقعة من العالم من أصحاب المذهب السنى يساند الكثير منهم الإرهاب فى مختلف صوره بصورة غير مباشرة ليكونوا مع المتطرفين منهم تحالفاً غير مفهوم ضد الولايات المتحدة الأمريكية.. وأظن أن أحداثاً كثيرة جسيمه حدثت تثبت صحة هذا الرأى، وعلى رأسها أحداث ١١ سبتمبر الشهيرة بنيويورك، وقوله عن هذا التحالف بأنه غير مفهوم صحيح مائة بالمائة، وكمثال فى بلدنا وبلاد أخرى حولنا فإننا على المستوى السياسى الرسمى العلنى والسرى نضع علاقتنا مع أمريكا فوق أى اعتبار آخر ويتحدث كبار مسؤولى النظام عن تلك العلاقات بأنها علاقات استراتيجية دائمة لا غنى عنها، فى الوقت الذى تطلق فيه الحكومات والمؤسسات الدينية العنان لذيولهم فى وسائل الإعلام التابعة ومنابر المساجد لتصوير الولايات المتحدة الأمريكية على أنها الشيطان الأعظم الذى تجب محاربته، ولا تكف ألسنة خدامهم عن التنديد بها ليل نهار واعتبار ذلك قمة الوطنيه! قال أوباما أيضاً إن المسلمين فى هذه المنطقة من العالم لا يزالون يتشبثون بأساليب حياة قديمة لا تقبل بسهولة التحديث والتطور، فضلاً عن غياب حريات الرأى والتعبير والاجتماع والعقيدة وانعدام المساواة بين المرأة والرجل، وهى كلمات تعبر بصدق وصراحة عن حقيقة الأوضاع فى بلادنا التعيسة التى ما زال بعضها يُحرم قيادة السيارة على المرأة، وما زالت تناقش مفهوم الديمقراطية وهل هى حلال أم حرام، وهل يمكن تطبيقه فى أرض العرب أم أن الأمر يحتاج عقوداً لتطبيقه، وهى كلها تقريباً تحارب حرية الرأى والتعبير.. وحتى فى مصر البلد المُفترض أن يكون أكثر شعوب المنطقة تحضراً بحكم تاريخه وموقعه، ما زال يُسجن فيه أصحاب الرأى وتُحاصر الأجهزة الأمنية فيه كل معارض للسلطة البوليسية الغاشمة والاستبداد! أبدى الرئيس أوباما أيضاً خيبة أمله فى زعماء المنطقة كلها من نتنياهو وحتى أردوغان، ولا أتصور أن أى منصف يزن الأمور بميزان الحق والعدل يمكن أن يعترض على هذا الكلام. السيد أوباما.. لقد أصبت كبد الحقيقة، وليغضب من يغضب، فهذه منطقة يعيش فيها قومُ ضاع الحق بينهم.
عن التغيير الوزارى: يدهشنى هؤلاء الذين أبدوا تعجبهم من التغييرات الوزارية الأخيرة، إذ إننى على العكس أرى أنها منطقية تماماً لأنها تتفق مع أولويات النظام الحالى وسياسات حكوماته المتعاقبة.. وأدهشنى هؤلاء الذين سألوا رئيس الوزراء عقب إعلانه التعديل الوزارى لماذا لم يشمل التغيير وزارتى التعليم والصحة اللتين هما فى أمس الحاجة إلى فكر ثورى جديد يغير كلية من تلك المنظومتين العفنتين؟ الرجل أجاب بدبلوماسية أن أداء الوزارتين سيتحسن فى الشهور القادمة (ربما يضرب الودع ويعرف المستقبل!) ولكن ما لم يقله رئيس الوزراء هو أن هذين الملفين اللذين هما الأساس للكوارث التى تحل بمصر والمصريين وهما ملفا التعليم والصحة يحتاجان لتغيير ضخم فى ميزانياتهما لا تحبذه الدولة فى الوقت الراهن لاعتقادها بأن هناك ما هو أهم للإنفاق عليه مثل متطلبات الأمن والمشروعات القومية، وبالتالى لا مانع من استقرار الأحوال كما هى الآن إلى أن تُفرج! عفواً رئيس الوزراء.. ما فيش أى اندهاش!

No comments:

Post a Comment