Translate

Monday, March 7, 2016

تعهُّدات رئاسية.. «بلُّوها واشربوا منقوعها»!! بقلم د. محمود عمارة ٧/ ٣/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

مازلت أذكر تفاصيل اللقاء بين الرئيس مبارك ورجال الأعمال الفرنسيين بباريس عام ٨٦.. كنت حاضراً بصفتى رئيساً للجالية، مع السفير د. سمير صفوت وخمسة من المصريين، منهم الأستاذ شريف الشوباشى مدير مكتب الأهرام هناك.
كان اللقاء بمناسبة أول زيارة رسمية لرئيس مصرى، رفرف فيها العلم المصرى بالشانزليزيه، واستقبله الرئيس ميتران بمطار أورلى (وليس على باب الإليزيه كما هو متَّبع).. وبدأ جدول الأعمال مساءً، بلقاء فى غرفة التجارة والصناعة، حضره رؤساء أكبر الشركات الفرنسية والمؤسسات المالية.. ومن جانبنا رئيس الجمهورية ومعه د. عاطف عبيد (وزير التنمية الإدارية وقتها).
أثناء كلمة مبارك التى ناشد فيها الحاضرين الاستثمار على أرض مصر.. قال: «أنا أعرف أن هناك عراقيل ومشاكل لبعض من سبقوكم للاستثمار عندنا».. فقاطعه رئيس الغرفة مسيو «إيفون جاتاز» قائلاً: «ايه ألور؟» يعنى: طب وبعدين؟.. عملتم إيه لمَّا سيادتك عرفت إن فيه مشاكل وعراقيل؟ مش الأفضل تشيلوا العراقيل وتحلوا المشاكل، قبل ما تناشدونا بالاستثمار عندكم!!
وجاء رد مبارك: «أتعهد بحل مشاكل المستثمرين».. أنا معايا د. عبيد.. المسؤول عن الإصلاح الإدارى.. اقعدوا معاه وشوفوا حلول!!.. فابتسم الفرنسيون بسخرية قائلين: «هذه مسؤوليتكم، وعليكم إيجاد الحلول وتوفير المناخ المناسب للاستثمار.. ولمَّا تبقوا جاهزين ستجدوننا مُستعدِّين»!!
تذكَّرت هذا اللقاء بعد ٣٠ سنة.. عندما قرأت بالأمس تصريحات للرئيس السيسى فى كوريا، وهو يكرِّر نفس العبارة قائلاً «أتعهد بحل أزمات المستثمرين»!!
يا رااجل.. مين هيصدَّقنا.. ونحن نتعهد من ٣٠ سنة بأننا سنحل مشاكل المستثمرين؟ وكلنا يلمس ويعرف أن مشاكل المستثمرين الجادين من حفرة لدحديرة.. مين هيصدَّق لما يشوف اللى جارى للمصريين ولاد البلد الجادين؟!
خد مثالاً: الأسبوع الماضى توجَّه ٢٠ مستثمراً زراعياً (من ضمن ٤٦ ألف حالة) لمحافظة البحيرة، مطالبين بعقود ملكية لأراضيهم التى استصلحوها وزرعوها، وأنفقوا عليها دم قلبهم، منهم من باع ميراثه فى الدلتا ليغزو الصحراء، ومنهم من عاد بمدخرات سنين الغربة.. المهم إنهم استصلحوا من ٢٠ سنة وزرعوا وخلقوا فرص عمل.. لا بنوا فيلل ولا جولف ولا حمَّامات سباحة.. ووافقوا على السعر اللى حدِّدته المحافظة (رغم التعسف فى تقدير سعر الفدان).. عشرين سنة المحافظة بكرة - بعده.. طب ادفعوا حق انتفاع مؤقت لحين إصدار العقود.. دفعوا وكل يوم يسألوا: فين عقد الملكية يا محافظ البحيرة.. طالما أننا التزمنا ولم نُخالف؟ ومحافظ ورا محافظ يُماطل!!
من أسبوع قيل لهم: روحوا هيئة المشروعات والتعمير بوزارة الزراعة بالدقى.. ليه؟ لأنهم الوحيدين اللى بيقنِّنوا الأراضى.. والمحافظات «لأه»!!
راحوا «هيئة التعمير».. المدير التنفيذى مهندس/ أيمن المعداوى.. راجل عشرة على عشرة.. فاهم ومُنجز ودوغرى (مفيش لف ودوران).. لكن مسؤوليته.. تطبيق القانون (الغشيم) والقرارات (المتضاربة)!!
القرارات بتقول إيه؟
«انسوا محافظة البحيرة، وتعالوا عندنا.. فنحن أصحاب الولاية على كل الأراضى الصحراوية التابعة للمحافظة.. عندنا (نُقِّيم) سعر الفدان من جديد.. وتدفعوا بسعر النهارده، وتاخدوا العقد وانتو واقفين!!!
■ طب واللى دفعناه للمحافظة؟
يعوَّض عليكوا ربنا.. اشتكوا المحافظة.
(خُد دى كمان):
«واللى معاه عقد ملكية صادر من محافظة البحيرة.. يبلُّه ويشرب ميِّته».. لن يستطيع تسجيله.. ليه؟ لأن وزارة الزراعة أرسلت خطابات للشهر العقارى، بمنع تسجيل أى عقود ملكية صادرة من المحافظة، لنزاع وخناقة قديمة بين المحافظة والوزارة!!!
بذمتك ودينك دى بلد؟
بلد بتضرب عقود الملكية «بالجزمة» (أصل الضرب بالجزمة هيبقى موضة).. «الُمدهش» فى نفس الوقت تعمل إيه دولتنا (المحترمة)؟.. تشكِّل لجنة برياسة م/ محلب مساعد الرئيس.. لمين؟
لحل مشاكل «المخالفين».. اللى بنوا منتجعات وتربَّحوا بالملايين.. همَّه اللى يتشكلهم لجنة.. همَّه اللى الدولة المرعوشة تعملهم ألف حساب!!
أمَّا المزارعين الشقيانين، والفلاحين المديونين، والشباب أبو خمس فدادين المنتجين.. يضربوا دماغهم فى الحيط.. يشربوا من أقرب ترعة معفِّنة.. وتقوللى استثمار ومستثمرين، وإنتاج ومُنتجين؟.. وتعهُّدات رئاسية.. رأيى: «تبلُّوها وتشربوا منقوعها»، وتوصَّلوا الكلام دا للرئيس!!
والآن أُعلن بالفم المليان أن:
هذا البلد بسبب تشريعاته الفاسدة المتضاربة لن ينجح فيه سوى: المخالفين، النصابين، السماسرة، والمهرِّبين، والراشين.. ولا مكان فيه للجادين أو المجتهدين، ولا أمل للخلَّاقين- المبتكرين- أصحاب الرؤى أو الخيال أو الضمير!!!
هذا البلد تشريعاته مانعة للإنتاج، ومُحطِّمة لكل من لديه إرادة للنجاح.. وإن لم نُفكِّر بعقولنا (وليس بالجزمة اللى فى دماغنا)، وإن لم نستعن بأصحاب الخبرات ونستفد من تجارب الدول الناجحة.. فما عليكم إلا الاستعداد لـ«تسونامى» من المشاكل والمآزق والاضطرابات!!
سيادتك هتسألنى: هل أنت مُتشائم؟
الإجابة: بعد ٢٥ يناير كُنت حالماً، وتهيأ لى أننا فى خمس سنوات سنقفز، وبعد ١٠ سنوات سنطير إلى سماء العالمية.. بعد خمس سنين من عصر «مُرتضى»، و«العُكش» وكل عُكش فى الإعلام.. فى الأجهزة.. فى الهيئات والمؤسسات.. فى مجلس النواب، وفى الشارع أصبحت مُتشائماً (لاحظ إن فيه «عُكش» فى كل مصرى عاش هنا الثلاثين سنة الأخيرة)!!!!
لكن عندما أُتابع الرئيس وجهاز الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية، وخلايا النحل من عمال ومهندسى مصر فى بناء الأنفاق والطرق والكبارى.. وحينما أنظر إلى مواردنا وكنوزنا وثرواتنا والعقول الفذة لكثير من شبابنا.
أقول: لست متشائماً ولا متفائلاً.. ولكنى أصبحت الآن «مُتشائلاً»!!
الخلاصة: لو اجتمع مجلس إدارة الكرة الأرضية مع كل الشياطين والجن والعفاريت ليؤذينا.. فلن ينجح مثلنا فى تحطيم حاضرنا، والقضاء على مستقبلنا، فى أن تصبح «أم الدنيا وقد الدنيا»!!
نصيحة: هاتوا إدارة من إثيوبيا (اللى بتحقَّق أعلى نمو فى العالم) ١٢%!!.. أو بوركينا فاسو (اللى بتصدَّر لنا ٤٠ ألف طن قطن سنوياً)، واكتفت ذاتياً من الحبوب!!
حاجة تكسف وتقرف!!
ونستكمل الاثنين القادم.

No comments:

Post a Comment