Translate

Thursday, March 10, 2016

«44 بوز عريض» - رامى جلال - الأربعاء 09-03-2016 - جريدة الوطن

فى أوبريت قديم يطرح معالجة لقصة «سندريلا» وحذائها الشهير، يقول الفنان عبدالسلام النابلسى: «فردة جزمة تعمل أزمة من غير لزمة»، وقد عايشت مصر هذا الشهر أمراً شبيهاً حين ضرب نائب برلمانى زميله بحذاء «44 بوز عريض».
إن كان الضرب بالحذاء فى المنام يعنى اقتراب سماع الشخص لكلام غير سار فى حياته الحقيقية، بحسب الأخ «ابن سيرين»، فإن الضرب به فى الواقع شىء مُحزن؛ لأن الحذاء ليس من مفردات لغة الحوار التى لا بد أن تنبع من أعلى مكان فى الجسد وليس من أدناه.
تاريخياً كان الحذاء هو أرخص الأشياء ثمناً، ومن هنا أصبح أكثرها وضاعة، ولذلك فغيابه (الحفاء) دليل على الفقر الشديد، ومع ذلك فإن اللغة العربية ولهجاتها المختلفة أعطوا بـ«أبوبوز» فأعطته أسماء عديدة؛ فهو «حذاء»، و«نعل»، و«جزمة»، و«مداس»، و«تليك»، و«حذوة»، و«شحاطة»، و«صباط»، فضلاً عن التسميات التى تمثل قرينة عن طبيعة مرتديها؛ مثل «بيادة» أو «كوتشى».
أما الأديان فلم تنس الأحذية، فى القرآن يقول الله، سبحانه وتعالى، مخاطباً موسى عليه السلام: «اخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى»، ولذلك فخلع الأحذية فى الأماكن المقدسة واجب، تعظيماً للخالق وطهارة للمكان، لكن الحذر من سرقتها هناك مهم أيضاً، أما فى الإنجيل فقد قال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح عليه السلام: (يأتى بعدى من لست أهلاً أن أحل سيور حذائه).
للأحذية مغامرات سياسية كذلك، فهى مثلاً وسيلة قتل الملكة «شجر الدر»، لكن لعل أشهر أزمات الأحذية تلك التى أثارها الصحفى العراقى «منتصر الزيدى» حين قذف جورج بوش الابن بالحذاء عام 2008، تفادى بوش الحذاء بمهارة ليصيب علم أمريكا خلفه، وهذا لخص مشهد السنوات التالية، رئيس نجا بجريمة تدمير دولة، فيما عانت أمريكا بعده.
بعدها بعام واحد قام صحفى عراقى آخر، برشق «الزيدى» نفسه بالحذاء أثناء ندوة على شرف الأخير فى باريس. داين تدان، واللعبة يلعبها اثنان، وقد ظهر «أبوبوز» من جديد بالعراق فى خناقة بمجلس النواب عام 2013، وقبل كل ذلك كانت حفنة من العراقيين يضربون تمثال صدام حسين بالأحذية بعد سقوط بغداد.
فى كل الأحوال فإن وقائع الضرب بـ«أبوبوز» ليست «جدعنة» من الفاعل أو «جبناً» من المفعول به، لأن أى شخص يمكنه بسهولة إلقاء حذائه على أى شخص آخر دون أن يكون لذلك دلالات تتعلق بالبطولة أو الانسحاق.
كل شخص قد يكون لديه مبرره الخاص لضرب آخر بالحذاء، فامنعوا ثقافة الأحذية، أو على الأقل توقفوا عن الفرح بذلك، فهناك فئة تُصر أن تُلمع حذاء الحاكم تبركاً (نفاق رخيص)، وفصيل يحاول لعق حذاء الجماهير تقرباً (شو إعلامى)، وكلاهما مُدلس، والمطلوب ببساطة هو مشروع حقيقى لمقاومة الحفاء الفكرى!

No comments:

Post a Comment