Translate

Thursday, March 31, 2016

توماس فريدمان يكتب : أزمات العراق أكبر من تحديات «داعش» ٣١/ ٣/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

عندما عدت مرة أخرى إلى العراق عقب سنتين من الرحيل عنه، وجدت أنه صار بإمكانى تحديد المعضلة الرئيسية التى تسببت فى ورطة للسياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، وهى معضلة ذات شقين، تتأرجح بينهما الولايات المتحدة ومعها الشرق الأوسط بين الضرورى والمستحيل.
والمستحيل الذى يشكل أحد شقى المعضلة هو ما يستحيل تجاهله.. ومن بين ما يندرج تحت هذا التصنيف سياسات الدول الحليفة للولايات المتحدة.
إن إهلاك تنظيم «داعش» الإرهابى يعد أمراً ضروياً لتحقيق الاستقرار فى العراق وسوريا، ولكن النجاح فى تلك المهمة مستحيل فى ظل رفض السنة والشيعة مسألة تقاسم السلطة، متجاهلين الخطر الداعشى الذى صار أشبه بالسرطان، ومتجاهلين كذلك قدرته على التنقل والانتشار.. بلجيكا مثالاً.
والمستحيل نفسه أحياناً ما تسقط عنه صفة الاستحالة ويصير من الممكن تجاهله، ففى إطار محاولاتنا تحقيق الأمن وإرساء الديمقراطية فى العراق، صار يتعين علينا تجاهل حقيقة أن تركيا، وهى الحليف الأهم لحلف شمال الأطلسى «الناتو» فى المنطقة، باتت تمضى فى مسار التحول من الديمقراطية إلى الديكتاتورية، بفعل سياسات رئيسها، رجب طيب أردوغان، الذى ينبغى الآن أن نخلع عليه لقب «السلطان أردوغان» فى ظل توالى قراراته بإغلاق الصحف المعارضة، واعتقال الصحفيين وإخضاعهم للمحاكمة، ولكننا بسبب احتياجنا إلى قواعد تركيا الجوية واحتمالات تعاونها معنا لتعزيز وإرساء ولو قدر ضئيل من الديمقراطية فى العراق غداً، فإننا نتغاضى عن تدمير تركيا لمبادئ الديمقراطية اليوم.
وعلى صعيد الداخل الأمريكى، نجد الكثير من المرشحين يتبارون على مقعد الرئاسة، زاعمين أن هذا المنصب يخول لهم فرصة معالجة هذه المشكلة، ولكن.. هل من أحد أخبرهم بأن هذه الفترة هى الأسوأ على الإطلاق خلال العقود السبعة الماضية من تاريخ الولايات المتحدة، وأعصاها على الإطلاق بالنسبة لأى مرشح يرمى إلى إدارة السياسة الخارجية للبلاد؟
الواقع أن هناك الكثير من الأمور التى تستدعى التعاطف مع أوباما، ولمن يعتقد أن ثمة حلولاً بسيطة يمكن أن تنهى أزمة العراق، فعليه إذن القدوم إلى هنا ومحاولة تحديد مواطن الاختلافات بين الأحزاب الكردية، والميليشيات السورية والعراقية إن استطاع.
وبالعودة مرة أخرى إلى مستقبل العراق نجد أن «مشكلة العراق لا تكمن فى داعش»، مثلما صرح من قبل نجم الدين كريم، محافظ كركوك المحتلة جزئياً من «داعش»، وكان «كريم» محقاً فى رؤيته حين أوضح أن «داعش مجرد علامة من علامات سوء الإدارة والطائفية التى خيمت على العراق، ومن ثم فإنه حتى لو تم إجلاء «داعش» عن المنطقة، بينما استمر سوء الإدارة والحرب «السنية- الشيعية»، فإن الوضع فى العراق «سيصير أسوأ مما هو عليه الآن».
والسبب فى هذا بسيط، ذلك أنه حال جلاء «داعش» عن العراق، سيطفو على السطح صراعاً أعتى أطرافه السنة والشيعة والتركمان والأكراد والميليشيات الشيعية، وحتى تركيا وإيران بشأن من يتولى زمام حكم المناطق التى انسحب منها داعش. الواقع أنه ما من إجماع بشأن تقاسم السلطة لدى المناطق السنية التى استولى عليها «داعش»، إذن فلو تطرق إلى مسامعك يوماً نبأ عن إنهاء خلافة أبوبكر البغدادى وتنكيس علم «داعش» على الموصل، فأجًّل تصفيقك وثناءك على هذا النجاح.
وثمة حقيقة مريرة أخرى قد تعكر صفوك، تأتيك من شمال العراق، فبرغم كل الإحصاءات الواردة عن انضمام أعداد كبيرة من «المقاتلين الأجانب» إلى تنظيم «داعش»، فإن الغالبية العظمى من المحاربين فى صفوف «داعش» لدى محافظة كركوك هم من السنة المحليين، الذين رأوا فى «داعش» قوة تحميهم من الحكومة الشيعية الموالية لإيران فى بغداد، أو أنهم من السنة مدقعى الفقر، الذين رأوا أن انضمانهم لـ«داعش» سيمنحهم نفوذا وثروة يصبحون بها أثرياء من علية القوم لدى المجتمع السنى.
من ناحية أخرى، كان الانقسام آفة العديد من القبائل السنية فى الموصل، وبالفعل انضم بعض أفرادها لـ«داعش»، وقد أخبرنى بعض مسؤولى الاستخبارات الأكراد أن ثمة العديد من حوادث الانتقام ستقع ضد السنة الذين انضموا لـ«داعش»، من قبل هؤلاء الذين لم ينضموا للتنظيم، ريثما هُزِم، خاصة أن العديد من النساء الإيزيديات الذين تم أسرهن واغتصابهن على يد مقاتلى «داعش»، ولاذت بالفرار إلى مخيمات اللاجئين فى إقليم كردستان، أخبرن فرق الإغاثة الكردية بأن هناك حالات اغتصاب عديدة لم يكن الجناة من مقاتلى «داعش» الأجانب وإنما كانوا من سنة العراق، بل ومن المنتمين للمدن نفسها التى اختطفت منها النساء، وعن هذه الحوادث قال أحد عمال الإغاثة: «لن تثق النساء أو ذووهن فى الجيران بعد ذلك».
حقاً أنا لا أعلم ما يتعين فعله وما هو المناسب للقضاء على «داعش»، ولا أعلم كذلك ما هى متطلبات إرساء نظام مناسب يحل محل قادة التنظيم لدى المحافظات التى سيطروا عليها، ولكن الواضح بالنسبة لى هو «الضرورى» الذى أشرت إليه سلفاً، متمثلًا فى إنهاء الصراع بين السنة والشيعة، وهو الصراع الذى يزيد من اشتعاله صراع آخر بين السعودية وإيران، أما «المستحيل» الذى يستحيل تجاهله، فى ظل ذكاء ودهاء تنظيم «داعش»، فهو مد أمد تفعيل استراتيجية مناسبة ضد التنظيم، وكلما طال الانتظار زادت الخطورة، إذ أشارت صحيفة إندبندنت البريطانية إلى إعلان «داعش» خطة لاختطاف عالم ذرة بلجيكى رهينة، من أجل السماح لهم بدخول مبنى الأبحاث النووية البلجيكية.
أرى أن أوباما ربما يكون قد فعل أقصى ما بوسعه إزاء «داعش» محاولًا تخفيض حجم قوته تارة، واحتواءه تارة، والتقليل من أهميته أخرى، مع تذكرة السنة والشيعة بين الحين والآخر بضرورة التعقل والوصول لاتفاق، ولكن «داعش» تخطى فى تشعبه واستشرائه كل معايير التحضر، وصار العرب والمسلمون فقط هم من بإمكانهم القضاء على «داعش» ونزع الشرعية عنه، وهو ما يستحيل لهم تحقيقه لو استمر الغضب والاضطراب والتخبط سائداً فى مجتمعاتهم.
نقلًا عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية
ترجمة- أمانى عبدالغنى

No comments:

Post a Comment