Translate

Friday, August 18, 2017

د. عماد جاد - حال الأحزاب السياسية فى مصر (٢) - جريدة الوطن - 18/8/2017

شوّهت حركة الجيش فى يوليو ١٩٥٢ صورة الأحزاب السياسية فى عيون المصريين، وبثت ثقافة تعبوية تقول لهم إن الأحزاب فاسدة والنخبة السياسة خائنة، ووضع قادة الحركة، التى تحولت الثورة بعد وقوف الشعب إلى جوارها، مبادئهم الخاصة لإصلاح الأحوال فى البلاد وتحسين حال العباد، وكان من بين هذه الأسس «إقامة حياة سياسية سليمة»، وهو الأمر الذى لم يحدث طوال حقبة ناصر، التى امتدت من ١٩٥٤ حتى ١٩٧٠، واستمر الوضع كذلك فى عهد خلفه السادات الذى تلاعب بالجميع، وساير مرحلة الحزب الواحد فى عالم الشرق والقارة الأفريقية.
وفى مرحلة تالية، شكل المنابر، وصاغت السلطة حزبها السياسى فبات حزب الرئيس والحزب الحاكم، وكان الحشد يجرى باستخدام مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة لدعم مرشحى هذا الحزب، وسمح لاحقاً بدخول فصيل جماعة الإخوان إلى اللعبة واستخدامها كفزّاعة لجذب المزيد من الأصوات، وبمرور الوقت تحول الحزب الوطنى إلى حزب سياسى حقيقى من عينة أحزاب العالم الثالث وضمن ظاهرة «الحزب الواحد»، التى سادت أفريقيا، وعدداً كبيراً من الدول المتخلفة. بدأت تجربة التعددية الحقيقية بعد سقوط نظام مبارك، وكان السماح بإنشاء أحزاب سياسية على أساس دينى، وكانت الأرضية مهيأة تماماً لهذه الأحزاب كى تستحوذ على المشهد، وهو ما تحقق بالفعل فى أول انتخابات برلمانية جرت نهاية ٢٠١١، ولم تحصل الأحزاب المدنية على أكثر من ٢٠٪ فى هذه الانتخابات. واليوم وبعد مرور نحو ست سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعد جولتين من الانتخابات البرلمانية يبدو المشهد وكأن غالبية الأحزاب المدنية لم تحقق أى درجة من النضج السياسى، فعدد من قادة هذه الأحزاب لا يزال يعمل بنفس الطريقة التى كان يعمل بها منذ عهد نظام مبارك، أى يريد دعم النظام ومساندته، يواصل دوره فى الحديث لوسائل الإعلام بأكثر من العمل على الأرض. تشرذمت الأحزاب وانقسمت بحيث بات لكل تيار أو اتجاه سياسى عدد من الأحزاب لا تختلف فيما بينها إلا فى التفاصيل.
حاولت الأحزاب المدنية تشكيل قائمة واحدة مشتركة بينها، وبدت كمهمة شاقة لقادة الأحزاب المدنية نظراً للتوقعات المرتفعة لديهم ولدى قواعدهم الحزبية، التى جعلت هؤلاء يرغبون فى الاستحواذ على النصيب الأكبر من الحصة المخصصة للقوائم. ولم يتمكن حزب واحد من تشكيل قائمة على نحو كشف بجلاء عن وجود أزمة حقيقية داخل الأحزاب المدنية التى تقزّمت وفقدت قواعدها الجماهيرية، تصارع بعضها بعضاً وتتخلى بسرعة شديدة عما تحمل برامجها من مبادئ وأفكار، بل وتعمل عكسها جرياً وراء «ذهب المعز»، سواء تمثل فى مصالح شخصية مباشرة أو الدخول فى تكتلات ملحقة براية السلطة، فقد بدا واضحاً أن تهاوى وتهافت قيادات الأحزاب السياسية على الاقتراب من السلطة الجديدة بعد ٣٠ يونيو، ووشايتهم بعضهم لبعض عند السلطة الجديدة قد أفقدهم الهيبة والاحترام فى عيون النظام الجديد، كما أن غلبة الصراعات والعداءات الشخصية والحزبية والتى أدت إلى شرذمة الأحزاب المدنية جعل السلطة الجديدة تتدخل مباشرة وتشجع على تشكيل قائمة مدنية متماسكة، وهو ما تحقق، وإن ظلت خطيئة رؤية النظام الجديد هى عدم التفرقة بين الائتلاف الانتخابى والائتلاف السياسى، الأول انتخابى ينفرط عقده بمجرد إعلان نتائج الانتخابات، والثانى يبنى بعد الانتخابات مباشرة وبناء على نتائج هذه الانتخابات من ناحية والرؤى والبرنامج السياسى المشترك من ناحية ثانية، وعادة ما تفشل كل محاولات تحويل الائتلاف الانتخابى إلى ائتلاف سياسى، لأن الأول مصلحى بحت هدفه الفوز فى الانتخابات، بينما الثانى سياسى بحت هدفه تشكيل ائتلاف أغلبية على برنامج سياسى مشترك أو وفق مبادئ سياسية، يشكل الحكومة ويتبنى سياساتها ويدافع عنها ويحفظها من السقوط.
خطيئة من بيدهم الأمر بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى جرت عام ٢٠١٤، أنهم لم يميزوا بين الائتلاف الانتخابى والسياسى، وعملوا على تحويل الائتلاف الانتخابى المصلحى، الذى جمع مختلف ألوان الطيف السياسى، ائتلافاً وربما حزباً سياسياً، فلا نجح كائتلاف سياسى ولا تحول إلى حزب سياسى.
السؤال، ونحن على أبواب انتخابات رئاسية جديدة وشائعات وتخمينات حول احتمال تأجيل هذه الانتخابات أو تعديل الدستور لزيادة مدة الرئاسة، هل هناك إمكانية لصياغة رؤية سياسية مدنية متكاملة لإدارة العملية السياسية فى البلاد على نحو يدعم ويقوى من الأحزاب السياسية فى سياق دعم وتعزيز، بل واستعادة عافية تحالف ٣٠ يونيو؟
وللحديث بقية.

No comments:

Post a Comment