Translate

Monday, August 28, 2017

د. عماد جاد - المعونات واستقلال القرار - جريدة الوطن - 29/8/2017

يدرس طلبة العلوم السياسية فصلاً عن المساعدات والمعونات الخارجية ضمن باب أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول، المعونات تُقدّم من الدول للمساعدة على تنفيذ سياستها الخارجية فى أى منطقة من مناطق العالم، حجم المعونات وانتشارها جغرافياً يتوقف على قدرات الدولة الشاملة ومجالها الحيوى ودائرة اهتمامها، فالقوى العظمى أو الكبرى ذات القدرات الشاملة الأكبر تطال سياساتها الخارجية العالم كله مع اختطاف درجة الاهتمام من منطقة إلى أخرى، عكس الدول الأضعف والأصغر التى ينحصر اهتمامها فى جوارها الجغرافى فقط لا غير، وعادة ما تكون متلقية للمساعدات، وكأنّما اتسمت سياسة دولة بالعالمية، كلما تضخم حجم المعونات والمساعدات التى تقدمها، والعكس صحيح كلما تقلص مجال اهتمام الدولة الجغرافى، تراجعت معلوماتها الخارجية وترجمت فى مجال صغير ومحدود للغاية. وبالنسبة إلى الدول المتلقية للمساعدات والمعونات يتحدّد حجم ما تتلقاه من معونات ومساعدات على ومن الدولة ومكانتها وأهميتها الاستراتيجية ودورها فى تنفيذ السياسة الخارجية للدولة المقدِّمة للمساعدات. أيضاً معروف أن تقديم المنح والمساعدات والمعونات عملية مركبة، فهناك دول تقدم معونات ومنحاً ومساعدات، وهناك أيضاً دول تتلقى فقط، وهناك نوع ثالث من الدول تتلقى وتقدم معونات فى الوقت نفسه، دول مثل الولايات المتحدة، روسيا الاتحادية، ألمانيا وكل دول العالم الأول ومعها الدول البترولية الغنية مثل السعودية والإمارات تقدم معونات فقط للمساعدة على تنفيذ سياستها الخارجية، أما دول العالم الثالث، لا سيما فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فهى تتلقى المعونات فقط، وهناك طائفة ثالثة من الدول تتلقى المعونات وتقدمها فى الوقت نفسه مثل مصر وإسرائيل، فكلاهما تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، وتقدم قدراً أقل مما تحصل عليه كمساعدات ومنح ومعونات لدول فقيرة قريبة من مجالها الجغرافى الحيوى للمساعدة على كسب النفوذ وتسهيل تنفيذ سياستها الخارجية، مصر وإسرائيل تقدم المساعدات المتنوعة لدول أفريقيا (جنوب الصحراء)، وإسرائيل تقدم المساعدات أيضاً لدول وسط آسيا الإسلامية، تحديداً لكسب النفوذ، ومنها التضامن مع الدول العربية. مصر تقدم مساعدات تنموية ومعونات خبرات ومنحاً دراسية، وإسرائيل تقدم مساعدات تنموية وتحديداً فى مجال الزراعة والرى بالتنقيط ومساعدات أمنية وعسكرية، لا سيما خدمات شركات الأمن لحكام أفريقيا لتأمين نظم الحكم ومنع الانقلابات العسكرية ضد الدول الحليفة.
ويتوقف مدى الانصياع من الدول المتلقية للمساعدات لتلك التى تقدمها على وزن ومكانة وثقل الدول المتلقية ودورها الإقليمى، وما يمكن أن تقوم به، سواء فى عرقلة سياسات الدول المقدّمة للمساعدات أو ما يمكن أن تقوم به فى تسهيل تنفيذ هذه السياسات، وبالنسبة لمصر فقد كانت تتلقى مساعدات مباشرة وغير مباشرة من الاتحاد السوفيتى لمنع الاختراق الأمريكى للشرق الأوسط، وبعد حرب أكتوبر 1973 وعقب توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية فى مارس 1979، بدأ برنامج تقديم المساعدات الأمريكية للبلدين والهدف كان تثبيت معاهدة السلام وتمكين مصر من الصمود فى وجه المقاطعة العربية، وتدريجياً التحقت مصر بالسياسة الأمريكية وعملت على خدمتها فى المنطقة، وتعاونت مع حلفاء واشنطن فى المنطقة، وتحديداً السعودية وباكستان فى مقاومة الوجود السوفيتى فى أفغانستان عبر تشكيل ظاهرة «المجاهدين الأفغان»، وأطلق «السادات» مقولته الشهيرة بأن الولايات المتحدة تمتلك 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط. وبدا واضحاً أنه كلما سارت مصر فى طريق تنفيذ السياسة الأمريكية فى المنطقة وتوسيع إطار التطبيع مع إسرائيل، حصلت على ما تريد من واشنطن، والثمن كان فقدان هامش الاستقلالية، الذى تتمتع به السياسة الخارجية المصرية فى المنطقة. فما الذى جرى وأدى إلى تقليص المساعدات الأمريكية لمصر، وهل هذا التقليد ضد مصالح مصر أم فى صالحها؟
وللحديث بقية..

No comments:

Post a Comment