Translate

Monday, August 28, 2017

د. عماد جاد - بناء دولة المواطنة (2) - جريدة الوطن - 28/8/2017

توقفنا عند الحديث عن اختطاف ثورة 25 يناير من قبل الجماعة الإرهابية، واستخدام الآليات الشكلية للديمقراطية من أجل بناء نظام سياسى دينى سلطوى، وقلنا إن الشعب المصرى ثار مرة ثانية، واسترد ثورته بمعاونة الجيش فى الثلاثين من يونيو، فعاد الأمل من جديد فى استكمال بناء دولة مدنية حديثة بشكل تدريجى تطورى، تدريجياً اكتشفنا أن الميراث السلطوى لدى الأجهزة المصرية ومقاومة عملية التحول الديمقراطى أقوى من آمال المصريين، ووصلنا إلى المشهد الراهن المتخم بالمشاكل والمخاوف أيضاً.
نعم، وضعت تعديلات الجماعة والتيار السلفى على دستور 1971 قيوداً شديدة على إحداث تطوير على دستور 71، فقد سار دستور الجماعة خطوات على طريق تأسيس دولة دينية كاملة أقرب إلى ولاية الفقيه الإيرانية، ومن ثم كانت المساحة المتاحة هى العودة إلى دستور 71 وشطب وإلغاء عدوان الجماعة والتيار السلفى على هذا الدستور وهو ما لم تتمكن منه لجنة الخمسين التى وازنت ما بين تطلعات القوى المدنية المصرية إلى دستور عصرى متقدم فى شأن صيانة الحقوق والحريات ورفع الامتيازات التى حققها التيار الدينى فى دستور 2012، وبين رغبة أجنحة فى سلطة ما بعد 30 يونيو فى عدم إغضاب التيار السلفى الذى وجد فى مشهد 30 يونيو، هذه الملاءمة والحسابات الذاتية كبّلت الدستور الجديد بقيود نعانى منها اليوم بشدة، سواء تمثلت فى تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية لحساب البرلمان أو الترتيب كى تكون مدة رئيس البرلمان والوكيلين فصلاً تشريعياً كاملاً، وليس دور انعقاد، ويجرى التصويت على هذه المناصب سنوياً، وفق دستورنا الحالى بالانتخاب لمدة خمس سنوات كاملة، وهو أمر غير موجود فى أى دولة فى العالم.
نأتى بعد ذلك إلى جوهر المشكلة، الدستور ورغم كل التحفظات التى سقناها، ويمكن أن نسوقها، يظل فى مواده الخاصة بالمساواة والحقوق والحريات حبراً على ورق، فقد تعلمنا أنه لا ديمقراطية دون ديمقراطيين، ومن ثم فلا تطبيق لقانون دون مؤسسات قوية تمارس دورها الدستورى، تراقب وتحاسب ولا أحد فوق القانون، فإذا كان فاقد الشىء لا يعطيه، فإن غير المؤمن بحقوق المواطنة والمساواة وعدم التمييز لا يمكن أن يطبق هذه المواد، سواء من خلال العملية التشريعية التى تحول نصوص الدستور ومواده إلى قوانين أو من خلال مؤسسات الدولة التنفيذية والبيروقراطية التى بإمكانها إفساد كل شىء وتحويل القوانين إلى مجرد حبر على ورق.
الاتجاه العام داخل مؤسسات الدولة المصرية حتى اللحظة الراهنة مؤسسات مبنية وفق هيكل سلطوى منغلق ثقافياً أحادى الرؤية دينياً، لم يهيأ بعد كى يقبل التعددية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، نعم، الرئيس تحدث كثيراً عن دولة المواطنة والمساواة، تحدث عن دولة مدنية حديثة وعن المواطنة، ولكن الواقع على الأرض مغاير تماماً، وقوى التشدد والتطرف والانغلاق تواصل ضرباتها دون مواجهة حقيقية من الدولة دون رادع من قمة السلطة، بل ما هو بادٍ هو حالة من الصمت غير المفهوم وغير المبرر والمثير للشك أيضاً. السؤال هنا: هل النظام الحالى الذى يعلم تماماً تضحيات الأقباط ودورهم الوطنى على مر التاريخ وتحديداً فى السنوات الأخيرة، موافق على ما يجرى؟ وماذا يتوقع من ردود فعل للأقباط فى الفترة المقبلة؟

No comments:

Post a Comment