Translate

Wednesday, August 16, 2017

د. عماد جاد - حال الأحزاب السياسية فى مصر (١) - جريدة الوطن - 16/8/2017

لا توجد ديمقراطية دون أحزاب سياسية، ولا توجد ديمقراطية دون تعددية حزبية، بمعنى وجود عدد من الأحزاب السياسية. تجربة الأحزاب السياسية وليدة الديمقراطية الغربية، ففى الغرب نشأت الديمقراطية وظهرت الأحزاب السياسية ضمن سياق التطور الديمقراطى، ودخلت الأحزاب السياسية ضمن مكونات وعناصر الديمقراطية التى وضعها العلماء والفلاسفة، فمن بين هذه المكونات التعددية الحزبية، دورية الانتخابات وتداول السلطة، بمعنى أن السلطة تذهب إلى الحزب الذى يحصل على أعلى الأصوات. وتدريجياً بدأ مكون أو عنصر جديد وهو «وجود من يؤمن بالديمقراطية كقيمة إنسانية وشكل من أشكال الحكم»، وهنا ظهرت مقولة «لا ديمقراطية دون ديمقراطيين»، وقد ارتبط هذا العنصر الجديد بتطورات الأوضاع فى دول العالم الثالث حيث جاء الحكام الوطنيون بعد رحيل الاستعمار وتحدثوا كثيراً عن الديمقراطية ثم انقلبوا عليها وقضوا على التجارب الوليدة عبر إلغاء الأحزاب السياسية القائمة، وشكل كل حاكم حزباً واحداً بقيادته ولم يسمح بأى حزب آخر إلى جواره، وحاول منظرو السلطة فى العالم الثالث ابتداع نظرية كاملة لتبرير سلطوية الحاكم الوطنى بعد رحيل الاستعمار وأسموها «نظرية الحزب الواحد» وقد درسناها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية باعتبارها نظرية من النظريات الخاصة بشئون الحكم وأنها نتاج وطنى بعد رحيل الاستعمار، وارتباطاً بهذا التوجه المعادى للديمقراطية وضع قادة ثورة ١٩٥٢ مقولة «فساد الأحزاب السياسية» التى كانت قائمة قبل الثورة، أى فى العهد الملكى شبه الدستورى والذى كان متطوراً من حيث الالتزام بأسس الديمقراطية مقارنة بدول جنوب القارة الأوروبية مثل اليونان، إيطاليا، إسبانيا والبرتغال.
وحتى نعالج الموضوع بشكل شامل ونرصد أسباب الأزمة ومكوناتها ومخاطر استمرارها ونضع الحلول المتصورة لإرساء أسس ديمقراطية تعددية فى بلادنا تليق بتاريخها على الأقل فى الحقبة شبه الليبرالية ما بين ١٩٢٣ و١٩٥٢، سوف نبدأ بطرح سؤال محدد هو: هل توجد فى مصر اليوم أحزاب سياسية؟ الإجابة: نعم، لدينا أكثر من مائة منها. السؤال: هل توجد فى مصر أحزاب سياسية حقيقية أو ناضجة لها وجود حقيقى فى الشارع؟ الإجابة: لا، فأكبر حزب سياسى مدنى لا تزيد عضويته على بضع مئات وفى أفضل الأحوال بضعة آلاف بين نحو ٥٥ مليوناً لهم حق التصويت فى البلاد. السؤال هنا: لماذا لا توجد لدينا أحزاب سياسية مدنية ناضجة ولها وجود حقيقى فى الشارع؟ الإجابة لأن الأحزاب منذ نشأتها -فيما عدا حزبى الوفد والتجمع لاحقاً- لم تستند إلى قاعدة جماهيرية حقيقية، كان هدف النخبة السياسية المصرية الحصول على حزب سياسى للوجاهة الاجتماعية والسياسية من ناحية وإبرام الصفقات مع النظام الحاكم من ناحية أخرى تنتهى بمكاسب شخصية مالية كانت أو موقعاً فى مجلس الشورى. ومنذ ثورة ١٩٥٢ كان النظام يعتمد على التعامل المباشر مع الشعب ويصيغ نتائج الانتخابات على النحو الذى يريد فجاء زمان كان الرئيس يحصل فيه على تأييد ٩٩٫٩٩٪ ممن أدلوا بأصواتهم فى الاستفتاء على اختيار الرئيس وكان الحشد يتم عبر مؤسسات أحادية تعبوية بعد إلغاء الأحزاب السياسية.

No comments:

Post a Comment