Translate

Tuesday, August 1, 2017

د. عماد جاد - «حماس» والأمن المصرى (٣) - جريدة الوطن - 1/8/2017

توقفنا عند طرح سؤال مركب مفاده: هل هناك من لديه ثقة فى حماس، باعتبارها فرعاً للجماعة، لكن السؤال أيضاً: ومنذ متى تعتمد المصالحات السياسية على الثقة والود؟ بداية نؤكد أن تدخل مصر واستضافتها اجتماعات بين ممثلى حركة حماس فى قطاع غزة وتيار محمد دحلان، إنما جاء بهدف إبرام تفاهمات مع الحركة وبحضور ممثلى تيار محمد دحلان، من أجل ضمان الأمن المصرى وقيام الحركة وتيار دحلان بحماية الحدود ومنع التسلل وتهريب السلاح والإرهابيين، إضافة إلى إغلاق الأنفاق من الجانب الآخر من الحدود. ومن ثم فإن فى حوار الحركة مع تيار «دحلان» مصلحة مصرية مباشرة. أيضاً فإن مصر التى حملت على كاهلها القضية الفلسطينية منذ عام ١٩٤٨، لم تتخلَ فى يوم من الأيام عن دورها حتى فى الأوقات التى اتسمت فيها العلاقات بين القاهرة ومنظمة التحرير بالتوتر الشديد مثلما كان الحال بعد مبادرة الرئيس السادات بزيارة القدس فى نوفمبر ١٩٧٧، وتوقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية فى مارس ١٩٧٩. وقد صبرت مصر كثيراً على المحاولات المتكررة للرئيس الفلسطينى محمود عباس البحث عن بديل للدور المصرى، فالرجل بعد أن اقترب أكثر من اللازم من محمد مرسى وقدم الكثير من المعلومات عما يجرى داخل المنظمة وحركة فتح، حاول البحث عن بديل للدور المصرى، فراهن تارة على قطر وتارة أخرى على تركيا.
اتسمت سياسات الرجل بالحدة تجاه من يختلف معه، وواصل سياسة الإبعاد والإقصاء لأصحاب الرؤى المخالفة أو من يعتقد أنهم يمكن أن يشكلوا بديلاً له فى القيادة، لذلك سارع بفصل النائب محمد دحلان، وخرج معه تيار كبير، لا سيما من شباب غزة. وهكذا ازداد الانقسام فى الساحة الفلسطينية، ما بين «فتح» و«حماس» من ناحية وداخل حركة فتح -الحركة الأم للنضال الوطنى الفلسطينى- فى وقت تقوم فيه إسرائيل بتوظيف هذه الانقسامات وتلعب على ما تراه من تناقضات، بل تمارس ما تريد من سياسات تجاه الأراضى الفلسطينية وتطرح أفكاراً عن ضم مناطق من القدس والضفة الغربية إلى إسرائيل عبر ما تراه «تبادلاً للأراضى».
من هنا جاء التحرك المصرى لوقف التدهور فى الساحة السياسية الفلسطينية عبر إنهاء الخصومة والصراع بين حركة حماس وتيار دحلان، وذلك من أجل السيطرة على الأوضاع فى قطاع غزة وتخفيف معاناة أهل القطاع التى تفاقمت بفعل الانقسام والصراع والقرارات العقابية من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس.
استضافت مصر اجتماعات متتالية لعناصر قيادية من حماس غزة، وممثلين عن تيار محمد دحلان، وأسفرت هذه الاجتماعات عن تفاهمات يمكن البناء عليها لرأب الصدع داخل حركة فتح وإعادة ترميم منظمة التحرير الفلسطينية، وفى الوقت نفسه فتح مجال أمام حركة حماس كى تكون جزءاً من هذه التحولات والتغيرات، فالحركة دخلت على خط عمل بالسياسة، وفى عالم السياسة لا بد من المرونة وإفساح مجال لتبنى الواقعية على حساب الجمود الأيديولوجى، وفى تقديرى أن من مصلحة القضية الفلسطينية ومصلحة الأمن المصرى دفع حماس للسير فى طريق العمل السياسى فتتبنى رؤى واقعية، بعيداً عن الطرح الأيديولوجى، وهو ما بدأت الحركة السير فيه بالفعل، ولنا فى خطاب «مشعل» الأخير من العاصمة القطرية الدوحة خير شاهد على ذلك، فالرجل أعلن أن الحركة ليس لها علاقة تنظيمية تربطها بالجماعة، ونحن نعلم أنه يكذب، مؤكداً أن الحركة جزء من المدرسة الفكرية للجماعة، وهو كلام بلا مضمون حقيقى، لكن الأهم هو قبوله بدولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهى نفس الأسس التى سبق أن تبنتها فتح والمنظمة، واستندت إليها مفاوضات أوسلو والعملية التفاوضية، وحاربتها حماس وقامت بالعشرات من العلميات الانتحارية لوقفها. من مصلحة الجميع حدوث مصالحة بين حركة حماس وتيار دحلان، وبين حركة حماس وحركة فتح، ولم الشمل داخل فتح، الحركة الأم، لا سيما وهى فى حاجة إلى كل أبنائها.

No comments:

Post a Comment