Translate

Sunday, August 27, 2017

د. عماد جاد - بناء دولة المواطنة - جريدة الوطن - 27/8/2017

تنص دساتير الدول المدنية على مختلف أشكال نظم الحكم التى تتبناها، سواء كانت جمهورية أو ملكية، برلمانية كانت أو رئاسية، على قيمة المواطنة والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن عوامل الانقسام الموروثة (مثل اللغة، الدين، العرق والجنس أى النوع) وهى عوامل يكتسبها الإنسان بالمولد ولا دخل له بها، ومن ثم تسمى عوامل انقسام أولية لو موروثة، أو كانت عوامل انقسام مكتسبة (مثل الطبقة الاجتماعية، الوظيفة والانتماء السياسى والحزبى)، الفارق الجوهرى بين الدول الديمقراطية المدنية الحديثة حقيقة وغير الديمقراطية أو التى فى طريقها إلى التطور الديمقراطى يتمثل فى العلاقة بين المؤسسات والأفراد ومدى احترام القانون وتطبيقه بشكل عام مجرد، الدول الديمقراطية تسود فيها المؤسسية وتمارس المؤسسات الدور المحدد لها دستورياً، وهى أقوى من الفرد أياً كان موقعه، تسودها قواعد المساواة أمام القانون، والحريات فيها مدونة وعلى رأسها حرية الرأى والتعبير، حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، أما الدول غير الديمقراطية فيسودها تسلط حاكم فرد ونخبته، هم فوق المؤسسات وفوق القانون، بل توظف المؤسسات والقوانين فى خدمة الفرد والطبقة الحاكمة، والنموذج الأبرز هنا فى عالم اليوم دولة كوريا الشمالية وعدد كبير من الدول العربية، وكانت معها دول أفريقيا جنوب الصحراء وغالبية دول آسيا وأمريكا اللاتينية، ولكن الأخيرة بدأت تغادر هذه المكانة وعرفت طريقها إلى الديمقراطية مع منتصف العقد الأخير من القرن العشرين وتحديداً بعد سقوط سور برلين وانهيار الكتلة الشرقية، حيث تحولت غالبية دول شرق ووسط أوروبا إلى النظام الديمقراطى وفق المعايير الغربية، ويرجع الفضل فى ذلك إلى الميراث الثقافى والحضارى الأوروبى من ناحية والاتحاد الأوروبى وحلف الناتو من ناحية ثانية، اشترط كل منهما معايير وشروطاً معينة للالتحاق بكل منهما، وهى معايير تبنى النظام الديمقراطى الغربى بكافة قيمه ومعاييره، ثم بدأ التحول يعرف طريقه إلى دول أمريكا اللاتينية وأخيراً دول أفريقيا جنوب الصحراء التى تحولت من مجتمعات قبلية متخلفة إلى دول ديمقراطية تسودها قيم المواطنة والمساواة. أما النوع الثالث من الدول فهى التى تسير فى منتصف الطريق، مثل بلدنا مصر التى كان بها نظام شبه ديمقراطى أو ديمقراطية مدارة أو مسيطر عليها، وينطبق ذلك على أواخر فترة للسادات وطوال عقود حكم مبارك الثلاثة، فقد كانت العملية شكلية والانتخابات صورية والأدوار والحصص توزع من قبل أجهزة النظام ومؤسساته الأمنية بالأساس.
كان التصور وكذلك كانت الآمال فى أن تعرف مصر طريق التطور الديمقراطى الحقيقى التدريجى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فجرى اختطافها من قبل الجماعة الإرهابية واستخدمت الآليات الشكلية للديمقراطية من أجل بناء نظام سياسى دينى سلطوى، ثار الشعب المصرى استرد ثورته بمعاونة الجيش فى الثلاثين من يونيو فعاد الأمل من جديد فى استكمال بناء دولة مدنية حديثة بشكل تدريجى تطورى، تدريجياً اكتشفنا أن الميراث السلطوى لدى الأجهزة المصرية ومقاومة عملية التحول الديمقراطى أقوى من آمال المصريين ووصلنا إلى المشهد الراهن من الأزمات والمشاكل والمخاوف أيضاً.
وللحديث بقية

No comments:

Post a Comment