Translate

Sunday, August 6, 2017

د. عماد جاد - خلايا نائمة فى قلب الدولة (٢) - جريدة الوطن - 6/8/2017

يخشى بعض المصريين من أن يكون ما يجرى من ترك خلايا الجماعة النائمة داخل مؤسسات الدولة، وتعيين عناصر تابعة للجماعة أو متعاطفة معها أو تحمل فكراً متشدّداً، أن يكون ذلك متعمّداً من قِبل النظام الحالى كمقدمة للمصالحة مع الجماعة، وهناك من يضيف إلى تلك الجهود التى تبذلها أجهزة مصرية من أجل إتمام المصالحة بين حركة حماس -الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين- وتيار محمد دحلان، باعتباره خطوة على طريق المصالحة مع الجماعة الأم. وتزداد الخشية من ذلك نتيجة التراخى المتعمّد من قِبل مؤسسات الدولة فى التعامل مع كل القضايا المتعلقة بالجماعة، من محاكمات وإفراج رئاسى وغيرها.
يبدو واضحاً أن الحديث عن «شبه الدولة» يتوافق تماماً مع هذه السياسات، فالدولة الحقيقية لا تتبنى سياسات مهادنة مع من يرفع السلاح فى وجهها، فمن بين تعريفات الدولة أنها الجهة الوحيدة التى تحتكر أدوات العنف والإكراه، أى أنها الجهة الوحيدة التى تحتكر السلاح داخل حدودها، ولا يحق لجماعة أو هيئة أو جهة، حيازة السلاح واستخدامه، ومن هنا فإن الدولة، وفى إطار أداء وظائفها تستخدم السلاح فى الداخل، لحفظ الأمن والاستقرار والقضاء على الجماعات الخارجة على القانون. هو أمر مسلّم به ومتعارف عليه فى أدبيات العلوم السياسية من ناحية، وفى الممارسات الواقعية من ناحية ثانية، بل إن الدول الديمقراطية عادة ما تبالغ فى استخدام القوة، دفاعاً عن نفسها وعن أمن مواطنيها، ويكفى أن نشير هنا إلى صلاحيات رجال البوليس فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تعطى رجل البوليس الحق فى إطلاق الرصاص على قائد السيارة المراد توقيفه، إذا لم يضع يديه على مقود السيارة. أيضاً هناك قوانين صارمة تنظم حق التظاهر السلمى، وتتمثل فى تقديم طلب بالتظاهر يُحدّد فيه المكان والوقت وعدد المتظاهرين والهدف من التظاهر، وقد شهدت بنفسى مدى التزام أنصار جماعة الإخوان المسلمين ببنود قانون التظاهر الأمريكى خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث حصل أنصار الجماعة على تصريح بالتظاهر أمام الجمعية العامة لمدة ثلاث ساعات، ما بين التاسعة صباحاً والثانية عشرة منتصف النهار، حيث تجمّعوا وهتفوا ثم غادروا المكان جميعاً فى الوقت المحدّد، دون أن تصدر عن أىٍّ منهم مخالفة للقانون الأمريكى.
هذا بينما تمارس الجماعة ورفاقها فى مصر كل الجرائم من عنف وإرهاب وتفجير لمنشآت الدولة والمرافق العامة، يفعلون ذلك ليل نهار طوال الفترة الماضية منذ الإطاحة بحكم المرشد فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣.
أيضاً خرجت علينا الجبهة السلفية بإعلان الدعوة إلى ثورة مسلحة ضد الدولة المصرية وحدّدوا يوم الثامن والعشرين من نوفمبر ٢٠١٤ لثورتهم المسلحة، وأطلقوا التصريحات العلنية التى تقول إنهم سوف يخرجون حاملين السلاح ضد الدولة المصرية لإقامة الدولة الإسلامية، ودخلت عناصر من منظمة «هيومان رايتس ووتش» البلاد بشكل فردى من أجل تسجيل أى مواجهة تقوم بها الدولة ضد هؤلاء الإرهابيين، واستخدامها للتشهير بالنظام المصرى.
رغم كل ذلك تترك الدولة الأحزاب الدينية ولا تطبّق مواد الدستور التى تحظر قيام الأحزاب على أساس دينى، تترك خلايا الجماعة تعبث فى قلب مؤسسات الدولة المصرية، تعيّن المزيد منهم فى مناصب حساسة، تفرج عن عناصر الجماعة المسلحة ضمن حملات الإفراج عن «الشباب»، وهو أمر لا يحدث إلا فى «أشباه الدول»، فلا توجد دولة فى العالم، صغيرة أو كبيرة، تقبل بالخروج المسلح عليها، أو تقبل بترويع مواطنيها من قِبَل جماعات خارجة على القانون، ومن ثم لا بد أن يكون واضحاً لدى جميع مؤسسات الدولة أنها عندما تتصدى لعنف جماعات مسلحة إنما تقوم بأداء وظيفتها، فهى تدافع عن بقاء الدولة وأمن مواطنيها، ومن ثم لا تضع فى اعتبارها ردود الفعل الدولية، فالدولة لا تحتاج إلى ترخيص من الخارج للدفاع عن كيانها، وأمن مواطنيها، وما صدر عن بعض العواصم الغربية فى أوقات سابقة إنما جاء فى سياق الرغبة فى كسب ود الجماعة، جرياً وراء الوهم الأمريكى الذى كان يقول إن الجماعة ستعود لحكم مصر ودول المنطقة، لأنها القوة الوحيدة المنظمة هناك، وهو ما سقط بمرور الوقت، لا سيما مع تبلور العلاقات الوثيقة بين الجماعة والمنظمات الإرهابية فى المنطقة. لكل ذلك يبدو مهماً للغاية أن توضح الدولة رؤيتها وموقفها تجاه مظاهر الخروج المسلح عليها، وترد على تساؤلات الرأى العام حول تعيين عناصر منتمية إلى الجماعة ومتعاطفة معها وثالثة متطرفة فى مناصب حساسة، وفى تقديرى أن الرد على تساؤلات الرأى العام أمر مهم للغاية، فالرأى العام هو صاحب الاختصاص الأصيل، وهو مصدر التفويض، ومن ثم وجب احترامه وتقديره والإجابة عن تساؤلاته.

No comments:

Post a Comment