Translate

Friday, August 25, 2017

د. عماد جاد - الصلاة فى الشارع - جريدة الوطن - 25/8/2017

لم يجد أقباط قرية «عزبة الفرن» التابعة لمركز أبوقرقاص بالمنيا مكاناً للصلاة بعد أن أغلقت قوات الأمن الطريق المؤدى إلى المنزل الذى كانوا يستخدمونه للصلاة، سوى أحد شوارع القرية لتأدية صلاة ختام صوم السيدة العذراء، مشهد السيدات والأطفال والرجال وهم يصلون فى الشارع وتحت حراسة قوات الأمن من المشاهد المؤلمة، لا سيما فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى. الأقباط جزء أصيل من الشعب المصرى حافظوا على عقيدتهم المسيحية وإيمانهم فى ظروف صعبة للغاية لا سيما فى العصور الأولى والوسطى التى شهدت حكاماً ظالمين فرضوا أحكاماً قاسية على الأقباط وغالوا فى فرض الجزية عليهم حتى وصلت إلى الموتى، فلا يدفن القبطى موتاه إلا بعد أن يدفع الجزية عنهم، مروا بظروف بالغة الصعوبة وفُرضت عليهم اشتراطات مُهينة للغاية ورغم ذلك حافظوا على إيمانهم المسيحى وتحملوا فى سبيل ذلك ما هو فوق طاقة البشر. واستمرت المعاناة فى العصر الحديث إلى أن جاء محمد على الألبانى فركز على بناء دولة عصرية حديثة وجيش وطنى قوى ومن ثم استعان بالأقباط وخفف الضغوط عليهم وألغيت الجزية لاحقاً فى عهد أسرته. عاد الأقباط إلى المعاناة من جديد فى سبعينات القرن الماضى فى عهد الرئيس المؤمن أنور السادات ودولته التى أطلق عليها دولة العلم والإيمان، وتحول الأقباط فى عهده إلى ملف أمنى بحيث بات كل ما يخصهم من شأن جهاز مباحث أمن الدولة، وهو جهاز طائفى بامتياز، بنيته طائفية ولا يلتحق به الأقباط.. قضى مبارك ثلاثة عقود كاملة محافظاً على بنية النظام الساداتى الطائفى وتضخم فى عهده نفوذ الجماعات الدينية من إخوانية وسلفية بل وجهادية.
جاءت ثورتا يناير ثم يونيو لتدفعا بالأقباط إلى قلب العمل العام والنضال من أجل بناء دولة مدنية حديثة، وتفاءلوا كثيراً مع مجىء الرئيس عبدالفتاح السيسى واعتبروا حكمه بداية النهاية لمرحلة المعاناة التاريخية المتمثلة فى التضييق عليهم وحرمانهم من الوظائف العليا، والتضييق على عملية بناء الكنائس وإصلاحها، وتغيير النظرة الأمنية للأقباط وإخراج ملفهم من يد الأمن الوطنى الذى ورث مهام أمن الدولة، حيث تغير الاسم والمسمى وبقى الفكر والأداء كما هو. ما حدث فى قرية عزبة الفرن يحدث فى عشرات وربما مئات القرى المصرية التى لا توجد بها كنائس فيضطر أقباطها إلى السير عدة كيلومترات للصلاة فى أقرب كنيسة أو اختيار منزل من المنازل للصلاة فيه إلى حين الحصول على التراخيص اللازمة لبناء الكنيسة وأيضاً إجراء المفاوضات الشاقة مع المتطرفين المتشددين كى يسمحوا ببناء الكنيسة وربما بعد أن يفرضوا شروطهم. اضطر الأقباط للصلاة فى الشارع وهو أمر مخالف لعقيدتهم، الصلاة القبطية تتطلب مكاناً مقدساً يسمى الهيكل، وللصلاة قواعد تتطلب مكاناً مغلقاً لممارسة الأسرار المقدسة ومن بينها سر التناول.
ما الذى يضير أجهزة الأمن المصرية فى قيام الأقباط بالصلاة فى منزل من منازلهم، فهم لا يزعجون أحداً ولا يحرضون على عنف ولا يطالبون الرب بصب اللعنات على أحد، يصلون من أجل فيضان النيل وجريانه، من أجل البلاد والعباد، من أجل الرئيس والحكومة ومن أجل كل المسئولين، من أجل الأمن والاستقرار. إن مشهد صلاة أقباط قرية عزبة الفرن فى الشارع وفى ظل حراسة أمنية من أكثر المشاهد المسيئة لمصر وصورتها فى العالم، بإمكاننا أن نتعايش مع مثل هذه المشاهد فى زمن الإخوان، أما أن يحدث ذلك بعد 30 يونيو وفى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى فهو من الأمور المحبطة للغاية لا سيما فى ظل عدم تدخل الرئيس بشكل مباشر فى أى من القضايا، من سيدة الكرم إلى أقباط عزبة الفرن، وهو الأمر الذى يخضع لسجال وجدال داخل صفوف الأقباط ويثير غضباً مكتوماً لدى البابا حسب معلوماتى، فمتى تتوقف معاناة الأقباط ومتى يتدخل الرئيس لوقف تجاوزات أجهزته الأمنية بحق الأقباط؟

No comments:

Post a Comment