Translate

Wednesday, August 2, 2017

د. عماد جاد - قطر.. الهجوم المضاد - جريدة الوطن - 2/8/2017

عقدت الدول الأربع المقاطعة لقطر اجتماعها الدورى الثانى فى المنامة، عاصمة البحرين، وتشاور وزراء خارجية الدول الأربع (مصر، السعودية، الإمارات، والبحرين)، وكانت النتيجة بياناً هزيلاً لا يسمن ولا يغنى من جوع، البيان شدد على تمسك الدول الأربع بمطالبها وشروطها التى سبق وحددتها فى اجتماع القاهرة فى الخامس من يوليو، وأن الدول الأربع تدعو قطر للحوار على تنفيذ المطالب، وليس التفاوض حولها، فالمطلوب تنفيذ الشروط لا التفاوض حولها. وانتهى الاجتماع على هذا النحو، ومن ثم فلا جديد فى اجتماع المنامة. فى المقابل اتسمت التحركات القطرية بالذكاء الشديد، فقد تحركت على مختلف المستويات، تقدمت بشكاوى ضد الدول الأربع المقاطعة لها لمنظمة الطيران العالمى، تقدمت بشكاوى ضد الدول المقاطعة أمام المحاكم الأمريكية، استخدمت مصطلح «الحصار» لا «المقاطعة» فى وصف مواقف الدول الأربع، وهى تدرك تماماً الفوارق بين المصطلحين، فالمقاطعة حق أصيل لكل دولة من دول العالم، أما الحصار فهو ليس من حق دول فرادى، بل لا بد أن يأتى بموجب قرار من مجلس الأمن الدولى، ومن ثم فإن استخدام الدبلوماسية القطرية لمصطلح «حصار» الدول الأربع، وليس «مقاطعة» يأتى كمحاولة من قطر لإدانة الدول الأربع دولياً أو على الأقل أمام الرأى العام العالمى، لا سيما أن قطر استخدمت نفس أساليب جماعة الإخوان فى الدعاية عبر وضع لافتات على سيارات تجوب الشوارع مكتوباً عليها: «ارفعوا الحصار عن الشعب القطرى»، وقد جابت عشرات السيارات من هذا النوع شوارع لندن ومدناً إنجليزية أخرى.
أما الخطوة الذكية التى استخدمتها قطر ضد الدول الأربع بصفة عامة، والسعودية بصفة خاصة، فقد كانت الدعوة إلى «تدويل الحج»، ورغم أنها دعوة ليست بجديدة وسبق لأطراف عربية وغير عربية أن دعت إلى ذلك، فإن رد الفعل السعودى اتسم بالغضب الشديد والأفعال المبالغ فيها، فقد خصص وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، جزءاً مهماً من وقته فى المنامة، للرد على هذه الدعوة القطرية، واعتبرها عملاً عدائياً، بل وبمثابة إعلان حرب على المملكة. هنا نجحت قطر فى أن تصرف الأنظار عن القضية الجوهرية، وهى دعم وتمويل الإرهاب، إلى شعب دولة صغيرة محاصر من قبل جيرانه الأكبر الذين يهددون نمط حياته من ناحية وشغل الأطراف المختلفة بقضية تدويل الحج، لا سيما مع تأييد أطراف إقليمية، مثل إيران التى تسعى إلى تسييس الحج وتدويله منذ فترة طويلة.
غاية ما نريد التأكيد عليه أن الدول الأربع يبدو أنها تشعر بوزنها وثقلها فى مواجهة قطر، لذلك لم تشغل نفسها كثيراً بالتحضير الجيد لاجتماعاتها، فعلى سبيل المثال ما جدوى اجتماع المنامة؟ ماذا خرج عن هذا الاجتماع؟ ما الجديد الذى صدر عن الاجتماع مقارنة باجتماع القاهرة، الذى حظى بزخم شديد واهتمام عالمى، نظراً لأنه كان الاجتماع الأول، فأن تعقد اجتماعاً ثانياً، لا بد أن يكون لديك جديد تطرحه وتجعل الطرف المستهدف تحت ضغط متواصل، ما حدث هو أن الاجتماع لم يخرج بأى جديد، فقط تأكيد على الموقف السابق، ومن ثم فلا جديد لدى الدول المقاطعة، الجديد جاء من قطر، وكان عبارة عن خطة محكمة للهجوم المضاد على الدول الأربع، وهو ما يؤشّر إلى أن قطر تستعين بمراكز فكر وبحث على مستوى رفيع، تخطط لها فى كيفية مواجهة الدول الأربع إقليمياً ودولياً، سياسياً وقانونياً، وإعلامياً أيضاً، وفى تقديرى أن قطر نجحت فى صرف الأنظار عن جوهر الخلاف، وهو دعم وتمويل الإرهاب، وتشتيت الانتباه، وفرّعت القضية إلى عشرات القضايا، ومن ثم، فهى تدير الأزمة بطريقة أفضل كثيراً من الدول الأربع المقاطعة.

No comments:

Post a Comment