Translate

Sunday, December 17, 2017

د. عماد جاد - اللائحة التنفيذية لقانون الكنائس - جريدة الوطن - 17/12/2017

أصدر البرلمان المصرى، قبل أكثر من عام، قانون بناء وإصلاح الكنائس وسط أجواء احتفالية بأن هذا القانون سوف يحل مشكلة بناء وترميم الكنائس فى مصر بشكل نهائى، وقد تكوّن القانون من شقين؛ الأول وهو خاص بشروط ومراحل إنشاء الكنائس الجديدة، ووضع تفاصيل كثيرة للترخيص ببناء كنيسة جديدة، أما الشق الثانى فيتعلق بتقنين أوضاع الكنائس القائمة، وهو أمر فى غاية التعقيد والصعوبة نظراً لأن أكثر من نصف الكنائس القائمة فى البلاد لا تمتلك أوراق ملكية ولا تراخيص بناء لسببين؛ الأول أن بعض هذه الكنائس قديمة للغاية وبعضها يعود إلى القرون الأولى للميلاد وتم هدمها وإعادة بنائها عشرات المرات، ولا توجد أوراق لها، والسبب الثانى أن هناك كنائس قدمت كل أوراق التراخيص المطلوبة للجهات المعنية ومنها الأمن الوطنى، وطلب منهم البدء فى البناء دون أن يردوا لهم الأوراق، فمن الناحية الموضوعية، فهى كنائس مرخصة، ومن الناحية الرسمية تعتبر غير مرخصة لأنها لا تمتلك أوراق الترخيص.
كان الأمل كبيراً فى أن يحل القانون الجديد أحد أبرز عوامل التوتر الدينى فى البلاد والمستمر منذ قرون وتجسد فى الخط الهمايونى إبان الاحتلال العثمانى، وجرى استيعابه فى الشروط العشرة للعزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية، التى صدرت عام قانون 1934. وانتظر الجميع صدور اللائحة التنفيذية للقانون، فلا قانون يطبق دون صدور لائحته التنفيذية، وهو الأمر الذى لم يحدث حتى اليوم، ومن ثم لم يطبق القانون حتى الآن، بل بدأت عملية ارتداد عن التفاؤل الذى ساد بعد صدور القانون، وبدأت سياسات تضييق شديد على عملية ترميم وإصلاح الكنائس القائمة وبناء الجديد منها، فقد استغل البعض المعلومات التى قدمتها الكنائس عن تلك غير المقننة من أجل تقنينها، وبدأت عملية تضييق على هذه الكنائس بل وإغلاق بعضها بحجة أنها غير مرخصة على النحو الذى تشهده قرى ومدن محافظة المنيا. أيضاً استمرت عملية منح الترخيص ببناء كنيسة جديدة وفق القواعد القديمة، تلك القواعد التى تعتمد على الاعتبارات السياسية ويلعب فيها الأمن الدور الرئيسى، فقرار إنشاء كنيسة من عدمه لا يزال بيد الأجهزة الأمنية، ولا تزال كلمة ممثل جهاز الأمن الوطنى هى الحاسمة فى هذا المجال ما لم يصدر قرار سياسى سيادى بذلك.
ونظراً لعدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون، وهى مسئولية الحكومة، يظل قانون الكنائس حبراً على ورق، وتظل المواءمات والمساومات سيدة الموقف. فى تقديرى أن مصر لا تحتمل استمرار هذا الملف مفتوحاً ومحلاً للمساومات وألاعيب الأجهزة الأمنية ومناورات التيارات المتشددة، ومن ثم مزيد من الاحتقان والتوتر، لذلك يبدو مهماً للغاية أن تصدر تعليمات سيادية للحكومة بإعداد اللائحة التنفيذية لقانون الكنائس وتطبيق مواد القانون المستندة إلى اعتبارات موضوعية قابلة للقياس للترخيص ببناء كنيسة من عدمه، أما استمرار الوضع الراهن الهائم الغائم فلن يؤدى سوى إلى مزيد من الاحتقان الذى يعبر عن نفسه من حين إلى آخر فى أشكال مختلفة من العنف ويجعل البعض فى الخارج يتحدث عن مثل هذه الموضوعات ويحاول استخدامها للتدخل فى شئوننا الداخلية، ومعروف أن البيت المنقسم على ذاته يخرب، أما المتماسك فيصمد فى وجه كافة التحديات ومحاولات الاختراق.

No comments:

Post a Comment