Translate

Wednesday, December 6, 2017

د. عماد جاد - شهوة السلطة تقتل - جريدة الوطن - 6/12/2017

قضى على عبدالله صالح ثلاثة وثلاثين عاماً حاكماً لليمن، شهد تغيرات وتطورات كثيرة، وشاهد ما حدث فى تونس ومصر، وبداية الخراب فى سوريا، وعاصر قتل القذافى بطريقة وحشية وأن نهايته كانت مأساوية هو وأسرته. بدأت الحرائق تمتد إلى اليمن، فخرجت الجماهير تطالب بالتغيير، خشيت دول الخليج العربى من أن تمتد إليها نيران الحريق من الجنوب، فتحركت بسرعة وطرحت أكثر من مبادرة لإحداث انتقال سلمى للسلطة أقرب إلى الانتقال العائلى، قدموا ضمانات للرئيس على عبدالله صالح تحصّنه فى مواجهة أى ملاحقة أو محاكمة، وبعد سجال وصراع وضحايا ودماء قبل «صالح» المبادرة الخليجية وتنحى عن السلطة لمصلحة نائبه هادى منصور. هذا الاتفاق لم يعجب الحوثيين الذين يقطنون مدينة صعدة، وولاؤهم الأساسى لإيران، وقد سبق أن خاضوا ست حروب مع الجيش اليمنى فى عهد على عبدالله صالح، جميعها انتهت بلا غالب ولا مغلوب وباتفاقات تُمكّن الحوثيين فى كل مرة من انتزاع سمة من سمات الدولة اليمنية أو اغتصاب حق من حقوقها، وحصلوا على كميات هائلة من السلاح الإيرانى، فقد أرادت إيران أن تكون قوات الحوثى طبعة يمنية من حزب الله اللبنانى، ومن ثم استغلوا قرار الحكومة الجديدة برفع أسعار البنزين وخرجوا من معقلهم فى أقصى شمال اليمن باتجاه العاصمة صنعاء، ضربوا الخيام وعسكروا حول العاصمة مهددين باقتحامها، وهنا غازلوا شهوة العودة إلى السلطة لدى على عبدالله صالح، فطلبوا منه التحالف لمحاربة النظام اليمنى الجديد وقد سقط على عبدالله صالح فى فخ الحوثيين وتحالف معهم ومكّنهم من اقتحام العاصمة صنعاء، وأمر معسكرات للجيش اليمينى بالانضمام إلى الحوثيين وتسليم سلاحها بالكامل، وعبر هذا التحالف زحفت قوات الحوثى وسيطرت على مفاصل الدولة اليمنية، ولم تنجح قوات التحالف العربى بقيادة السعودية فى كسر قوات الحوثى، لا سيما بعد أن سيطرت القوات على مطار صنعاء وميناء الحديدة وعبرهما تدفق السلاح الإيرانى إلى الحوثيين، أكثر من ذلك تسلل الحرس الثورى الإيرانى إلى الأراضى اليمنية، كما نقلت إيران للحوثيين صواريخ طويلة المدى تطول الأراضى السعودية، وهو ما حدث بالفعل وأثار حالة من الهلع فى منطقة الخليج.

فى نفس الوقت كان تحالف صالح مع الحوثى مصلحياً قصير الأمد، فصالح تصور أنه بالتحالف مع الحوثيين الذين خاض ست حروب ضدهم، يمكنه العودة إلى السلطة مجدداً، أما الحوثى فقد أراد استغلال على عبدالله صالح فى إحداث شرخ فى اتفاق التسوية والعمل على إسقاط هذا الاتفاق ثم التخلص من صالح بعد ذلك، وهو ما حدث بالفعل، فقد دبت الخلافات بين الطرفين منذ عدة شهور وتطورت حتى شهدت اشتباكات بين قوات الطرفين، وهنا بدأت أطراف خليجية فى التواصل مع على عبدالله صالح لفك تحالفه مع الحوثيين وإفساح مساحة له فى الاتفاق الجديد يمكّنه من لعب دور ما، هنا جاء قرار الحوثى بقتل على عبدالله صالح، وما مشاهد القبض عليه وإهانته ثم التمثيل بجثته إلا تعبير عما يحمل الحوثى من مشاعر حقيقية تجاه صالح الذى خاض ست حروب معه، وبذلك بدأ اليمن يدخل مرحلة جديدة من دوامة العنف والدماء التى يصعب تصور حدود ما يمكن أن تصل إليه، لا سيما فى ظل التورط الإيرانى المتزايد.

فى تقديرى أنه لولا شهوة السلطة لدى على عبدالله صالح ما كان بمقدور الحوثيين السيطرة على اليمن ولا تمكنت إيران من مفاصل الدولة اليمنية فى طريقها لهضم عاصمة عربية جديدة بعد بيروت، بغداد ودمشق.

شهوة السلطة تقتل وتخرب وتدمر الأوطان فى منطقتنا.

No comments:

Post a Comment