Translate

Tuesday, December 5, 2017

د. عماد جاد - التماسك المجتمعى - جريدة الوطن - 5/12/2017

عندما كتبت مرحباً بالأكاديمية الرياضية للأقباط، فذلك لأنى عايشت عشرات وقائع منع الأقباط من الالتحاق بالأندية الرياضية كلاعبين موهوبين، وتلقيت عشرات الشكاوى من أسر مسيحية تشكو فيها من طرد أبنائهم من أندية شهيرة على خلفية الدين، وشاهدت عشرات الأطفال وهم فى حالة أشبه بالانهيار نتيجة إسقاطهم عمداً فى الاختبارات أو منعهم من دخولها أصلاً، ومن ثم كانت فكرة إنشاء أكاديمية رياضية لاختبار وصقل مواهب الأطفال الأقباط خطوة ممتازة تمثل رد فعل مجتمعياً على العقلية التمييزية التى تسود قطاعات كثيرة فى الدولة وتغلغلت حتى ضربت قاع المجتمع المصرى، فما الذى يجعل حارس مرمى النادى الأهلى السابق والمنتخب الوطنى إكرامى الذى مثَّل عدة أفلام وكان نموذجاً للشاب المصرى الوسيم، يحمل هذا الفكر المتعصب ويصل إلى هذه الدرجة المقيتة من كراهية أهل بلده من المسيحيين لمجرد أنهم مسيحيون ومن ثَم لم يطق الرجل أن يسمع اسم طفل مصرى متفوق فى دور حارس المرمى، فأشار له إلى باب الخروج وطرده من النادى مطالباً إياه بعدم العودة مرة أخرى، لمجرد أن قال إن اسمه «مينا» وهو اسم فرعونى شهير. رحبت بفكرة إنشاء الأكاديمية، لأننى شخصياً ضد الاستسلام لمثل هذه السياسات التمييزية، سواء من مؤسسات دولة أو من أفراد وجمعيات وأندية اجتماعية، ومع الإيمان بمبدأ لا يضيع حق وراءه مطالب، وأن الحقوق تنتزع ولا تقدم على طبق من ذهب أو فضة، لم تحصل مجموعة من البشر على حقوقها الكاملة بالاستجداء وحياة المظلومية، بل حصلت على حقوقها عبر التماسك والمطالبة بكل السبل القانونية المشروعة، ومن بين هذه السبل التفكير الخلاق خارج الصندوق التقليدى، وبعيداً عن نفسية الذليل القائمة على الاستجداء أو المطالبة بالحقوق باعتبارها هبة أو منّة من الحاكم، الأقباط الذين تعرضوا لظلم تاريخى من قِبل مؤسسات الدولة منذ سبعينات القرن الماضى تغلبوا على ذلك عبر الحصول على تعليم متطور للغاية، والتوجه إلى المهن الحرة التى تعتمد على المشروع الخاص، لذلك تركوا المجال العام تماماً بعد أن جرى تسميمه على يد السادات، ولا تزال السموم عالقة حتى يومنا هذا، وكانت الأسر المصرية المسيحية تنصح أبناءها بتجنب الكليات التى تعتمد على عمل حكومى أو عام، لذلك لم تكن كليات مثل العلوم السياسية والإعلام مفضلة لديهم أيام الإعلام الحكومى.
تغير الحال وانفتحت المجالات وانفتحت السماوات وباتت المبادرة الشخصية والابتعاد عن المجال العام بل وخلق المجال الخاص متاحاً للجميع، لذلك تعد فكرة إنشاء أكاديمية رياضية لاستيعاب الأطفال الأقباط الموهوبين فكرة رائعة لا سيما أنها لن تكون مغلقة دينياً أو طائفياً، بمعنى أنها تقبل أى طفل مصرى لديه موهبة فى مجال من المجالات الرياضية، الفكرة فقط للتغلب على سياسات التمييز الغبية التى تتبعها بعض الأندية الرياضية، ومنها النادى الأهلى، وبالتالى فى عالم الاحتراف الجميع يجرى وراء الموهوب عندما تظهر موهبته.
ما نريد التأكيد عليه هنا هو أننا كمصريين من أصل عرقى واحد، ومن أصول حامية، أصبنا بفيروس التعصب والطائفية، والفيروس أصاب حتى من كان مفترضاً أن يكون قدوة فى المحبة والتسامح والدعوة إلى الإخاء والمحبة والعيش المشترك، وإذا كانت الأجيال السابقة والأكبر سناً قد فضّلت الصمت والشكوى لله، فإن الأجيال الجديدة مبدعة، لن تصمت وسوف تبحث عن بدائل لمواجهة سياسات التمييز المقيتة، وربما بعض هذه البدائل سوف يضعف من اللُّحمة بين أبناء المجتمع ويوهن من تماسكه، والمسئولية تقع على مَن بيده القرار.

No comments:

Post a Comment