Translate

Sunday, December 24, 2017

د. عماد جاد - قيمة المواطنة - جريدة الوطن - 24/12/2017

كلما سارت المجتمعات على طريق التنمية والتطور والتحضر، انعكس ذلك فى سلسلة قوانين تكرس من قيمة المواطنة، وبات المواطن أكثر تقبلاً لهذه القيمة، وانتشرت الجمعيات والمؤسسات التى تدافع عن قيمة المواطنة فى أشكالها المختلفة من مساواة تامة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين، العرق، اللغة والمكانة الاجتماعية والوضع الاقتصادى، فكما يقال «المواطنون أمام القانون سواء» أى متساوين، أيضاً حرية تعبير، حرية رأى واعتقاد، حياد الدولة تجاه هذه القضايا، فالدولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، فهى كيان اعتبارى لا دين له، فى الوقت نفسه يتسم موقف أجهزة الدولة ومؤسساتها بالحياد التام، فلا تنحاز لطائفة من الناس لأسباب أولية أى موروثة أو ثانوية، أى مكتسبة.
نعلم أن جميع المجتمعات الإنسانية مرت بمراحل التطور وفى بدايتها شهدت تمييزاً قاسياً بل وقتل على الهوية وحروب دينية وطائفية طاحنة، وقد تخلصت من كل هذه النواقص بمرور الوقت، ولذلك لا تجد دولة من دول العالم الأول تميز بين مواطنيها لأى من اعتبارات أزلية أو ثانوية، بل هناك من يمارس التمييز الإيجابى لصالح الفئات التى توصف بالأضعف فى المجتمع، ونادراً ما تجد التمييز الفج فى دول العالم الثانى، تلك الدول التى غادرت العالم الثالث وفق معايير التنمية ولم تصل بعد إلى العالم الأول، ولكنها فى الطريق. أما دول العالم الثالث فقد وصفت كذلك لكونها لم تحقق معدلات تنمية شاملة ولم تضع أساس التطور الديمقراطى بعد، مثل هذه الدول عادة ما تتخندق وراء سياسات تمييزية بحق جزء من مواطنيها وتتبنى خطابات دينية وطائفية، وتخلط بين الدين والسياسة، ولذلك نجد أن حكام هذه الدول وبصرف النظر عن خطابهم، فإنهم يحافظون على سمة من سمات الدولة الدينية، ويستخدمون خطاباً دينياً، ويطلقون يد المؤسسات المعنية فى الحفاظ على هذه البنية وممارسة جميع أشكال التمييز والحفاظ عليها، وهذه الدول عادة ما تحتل قاع قائمة الإنجاز بجميع أشكاله، فتجدها تتذيل قائمة الإنجاز العلمى، قاع قوائم الشفافية، وتقع على قمة قوائم الفساد والتحرش الجنسى وغيرهما من السلوكيات المشابهة.
وآفة هذه الدول هى تعطيل القانون أو استخدامه بطريقة انتقائية لخدمة سياسات التمييز بين المواطنين، فتجد القانون يطبق بقسوة شديدة وتصدر الأحكام القصوى بحق المغاير للأغلبية عرقياً، دينياً، طائفياً أو لغوياً، وتجد القانون ينحنى تماماً فى مواجهة المتهم المنتمى للأغلبية، ويتم تعطيله أو البحث عن حلول خارج إطار القانون مثل قصة الجلسات العرفية والصلح العرفى الذى عادة ما يقلب الآية ويحول المجنى عليه إلى جانٍ توقع عليه العقوبات أو يجب عليه إبرام الصلح وتوثيقه حفاظاً على السلم المجتمعى.
هذه الأوضاع كانت تمارس بقسوة، وتقديرى أن التطورات التى يشهدها العالم وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال الحديث، ستقلص من عمر هذه الممارسات وجميع أشكال التمييز بين البشر، ومرحلة ما قبل سقوط هذه الأشكال التمييزية هى الأكثر قسوة وصعوبة إذ يحارب أصحاب المصالح والتمييز بضراوة دفاعاً عن هذه المنظومة التى أصبحت آيلة للسقوط، بل بات سقوطها مسألة وقت لا أكثر.

No comments:

Post a Comment