Translate

Friday, December 22, 2017

د. عماد جاد - ليس بالمساعدات وحدها تصوِّت الدول - جريدة الوطن - 22/12/2017

هدَّد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بوقف المساعدات الأمريكية عن أى دولة تصوّت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ومن ثم قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وأعلنت مندوبة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة نيكى هايلى هذا الخبر بطريقة استفزازية؛ حيث قالت إن الوفد الأمريكى سيتابع عملية التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسوف يكتب أسماء الدول التى ستصوّت عكس إرادة الولايات المتحدة، وسوف تسلّم هذه الأسماء للرئيس الأمريكى، أى إن السيدة هايلى تهدد الدول التى تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة بالحرمان من الحصول على هذه المساعدات فى حال التصويت بأن القدس مدينة محتلة، وفق ما تقول قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولى، وأيضاً الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفى هذا الإطار نقول: إن المساعدات الخارجية التى يدرسها طلبة العلوم السياسية فى باب أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول التى تقدمها، تخدم مصالح الدول التى تقدمها مثلما تفيد الدول المتلقية، التى تقدم مساعدات خارجية تمتلك قدراً من النفوذ والتأثير على قرار الدول المتلقية للمساعدات، ومن ثم فالمساعدات تحقق مصالح مزدوجة للطرفين المقدِّم والمتلقى. ووقف تقديم المساعدات من دولة لأخرى بالقطع يفقد الأولى أى قدر من النفوذ أو حتى التأثير لدى الدولة المتلقية، أيضاً فإن المساعدات الأمريكية لم تعُد بالحجم الذى كان يقدَّم سابقاً، وتحصل إسرائيل بمفردها على نحو 60% من إجمالى المساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة لدول العالم المختلفة. وإذا كانت المساعدات تحقق مصلحة الطرفين، وإن كانت المساعدات الأمريكية تقلصت كثيراً ويتوجه أكثر من نصفها لإسرائيل، فلنا أن نتصور قدر محدودية تأثير هذه المساعدات فى مواقف الدول عندما تعرض عليها قضايا مهمة أو حيوية بالنسبة لها، بل وبالنسبة لشعوبها، فمهما كان احتياج بعض الدول للمساعدات الخارجية، فإنها لن تفضل الحصول على هذه المساعدات مقابل بيع مواقف تاريخية لها، فالموقف من مدينة القدس أكبر كثيراً من أن تتخذ الدول قرارها، مفضلة ما تحصل عليه من مساعدات على موقف تاريخى من مدينة القدس المحتلة. وتعلم جميع الحكومات، بما فيها حكومات الدول العربية والإسلامية التى تتلقى مساعدات من واشنطن أن شعوبها تترقب الموقف، ولا تتصور أنها سوف تفضل الحصول على حصة من المساعدات الأمريكية لبيع الموقف من القدس، وعلى هذه الدول أن تعلم أن القضية لن تتوقف عند هذا الحد، فهذا الرئيس العامل فى مجال الأعمال، ومن خارج مؤسسات الدولة الأمريكية، لن يتوقف عن إبرام الصفقات والضغط فى كل المواقف على الدول الأخرى بما تقدمه واشنطن لها من مساعدات، حتى يجعل من الدول التى تقبل تغيير موقفها من القدس لقاء المساعدات النموذج الجديد للحليف الأمريكى، النموذج الذى تمسخ شخصيته، وتمحى استقلاليته.
وفى تقديرى أن غالبية دول العالم الأعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة سوف تصوِّت وفق ما ترى وتعتقد، وما صدر من قرارات من مجلس الأمن، ومحدودة للغاية الدويلات التى ستصوّت وفق الرغبة الأمريكية، فإذا كان الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، فليس بالمساعدات وحدها تحدد الدول اتجاهاتها التصويتية.

No comments:

Post a Comment