Translate

Saturday, December 16, 2017

د. عماد جاد - مفوضية منع التمييز - جريدة الوطن - 16/12/2017

ينص الدستور المصرى الحالى على تأسيس مفوضية لمنع كافة أشكال التمييز بين المواطنين المصريين، ونص صراحة على أن يتم إنشاء هذه المفوضية فى دور الانعقاد الأول، ونحن اليوم فى منتصف دور الانعقاد الثالث دون أن تتقدم الحكومة بمشروع إنشاء هذه المفوضية ودون أن يقترح المجلس مشروعاً بتأسيسها. وفكرة إنشاء هذه المفوضية جاءت لواضعى الدستور كوسيلة جادة لمواجهة كافة أشكال التمييز بين المصريين لاعتبارات تتعلق بالدين، الطائفة، العرق، اللغة، الجنس، الجغرافيا، الطبقة الاجتماعية أو حتى الانتماء السياسى. الهدف من إنشاء المفوضية أن يلجأ إليها كل من يتعرض لواقعة تمييز طالباً إزالة هذا التمييز والحصول على حقوقه كاملة كمواطن، وأن هذه المفوضية لديها صلاحيات للنظر والفصل فى القضايا التى تعرض عليها. وتنهض فكرة المفوضية على أساس وجود آفة حقيقية فى مجتمعنا هى التمييز بين المصريين لاعتبارات أولية أى يولد بها الإنسان ولا يد له فيها، من عرق ولغة ودين وطائفة، وأيضاً اعتبارات ثانية يكتسبها الإنسان فى حياته من وظيفة، طبقة اجتماعية وانتماء سياسى. وأن هذه الآفة مستشرية فى المجتمع حتى إنها تقع بين الإخوة الأشقاء عبر ظلم الشقيقة فى الحصول على حقها من الميراث وهو يعتبر تمييزاً ضد المرأة، صحيح أن مجلس النواب أقر قانوناً مؤخراً يشدد عقوبة حرمان الأنثى من الميراث، إلا أن التعامل هنا جزئى، بمعنى أننا نود أن يكون التعامل عاماً شاملاً. وحتى تواجه هذه الآفة لا بد أن تشرع قوانين تغلظ عقوبة من يميز بين المصريين لأى سبب من الأسباب، ويتم تطبيق القانون بكل حزم وشدة، فى هذه الحالة وكما حدث فى المجتمعات التى حاربت العنصرية والتمييز، سوف يتحول القانون بمرور الوقت إلى ثقافة عامة، فإذا كان الجيل الأول الذى سوف يتجنب التمييز خشية التعرض للعقوبات المنصوص عليها فى القانون، فإن الأجيال التالية سوف تتجنب التمييز لأنه بات غير مقبول اجتماعياً بل وفعل مكروه، أى يتحول إلى ثقافة عامة مشتركة.
السؤال هنا لماذا لم يتم تقديم مشروع قانون مفوضية مكافحة التمييز فى مصر رغم أن الدستور ينص على إنشاء هذه المفوضية فى دور الانعقاد الأول ونحن فى منتصف الدور الثالث؟ من المسئول عن تعطيل هذا المشروع الوطنى الذى يمثل ركناً أساسياً من أركان بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة القانون وكل مواطنيها؟
فى تقديرى أننا فى أمس الاحتياج لأن يبدأ العمل فى مشروع قانون تأسيس مفوضية منع التمييز فى مصر قبل الانتخابات الرئاسية، وأن يكون إنشاء مفوضية منع التمييز بين المصريين هو أحد أبرز الإنجازات التى يقدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كشف الحساب الذى سيقدمه للمصريين لانتخابه لولاية ثانية، وفى تقديرى أن إنشاء مفوضية منع التمييز وبدء عملها قبل الانتخابات الرئاسية سيكون له تأثير كبير فى إحداث حالة حراك إيجابى فى المجتمع المصرى، ويمثل خطوة مهمة للغاية على طريق بناء نموذج لدولة مدنية ديمقراطية حديثة، وسوف يحل محل مئات القوانين غير المفعلة أو المطبقة بشكل انتقائى وتتسبب فى توترات عديدة فى البلاد.
إنشاء مفوضية منع التمييز سوف يحقق لمصر قفزات نوعية على كافة المقاييس الإنسانية ويرفع من مكانتها فى قوائم الدول ذات الإنجاز الإنسانى، فهل ترى المفوضية النور قبل الانتخابات الرئاسية؟

No comments:

Post a Comment