Translate

Thursday, December 7, 2017

د. عماد جاد - القدس.. ما العمل؟ - جريدة الوطن - 8/12/2017

كما كان متوقعاً، وبعد أن أجرى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتصالات هاتفية بعدد من القادة العرب، ومن بينهم الرئيس الفلسطينى محمود عباس، ألقى كلمة أعلن فيها اعتراف الولايات المتحدة بأن القدس الموحدة هى عاصمة إسرائيل الأبدية، وبعد أن خاض فى تاريخ علاقة اليهود بالمدينة، ودعا إلى مفاوضات على أساس حل الدولتين، طلب من وزارة الخارجية أن تبدأ على الفور فى إجراءات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ووقّع فى الوقت نفسه مرسوم تأجيل نقل السفارة لمدة ستة أشهر، ويمكن أن يوقعه عدة مرات، إلى أن يتم تجهيز مقر السفارة فى القدس، فينفذ قراره. بداية لا بد من الإشارة إلى أن قانون نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس صدر عن الكونجرس الأمريكى عام 1995، وقرار التنفيذ بيد الرئيس، ومنذ ذلك الوقت كان الرؤساء يوقعون قراراً كل ستة أشهر بتأجيل التنفيذ، إلى أن جاء «ترامب» واتخذ قرار نقل السفارة إلى القدس. أيضاً لا بد من إدراك أن القرار الأمريكى لا يغير من الوضع القانونى للقدس، فهو قرار سياسى رفضه الأمين العام للأمم المتحدة، ورفضه الاتحاد الأوروبى والدول الكبرى فى العالم، كما لم يعترف به بابا روما، ومن ثم فهو قرار سياسى فى مواجهة وضع قانون دولى يقر بأن القدس الشرقية مدينة محتلة ضمن الأراضى الفلسطينية التى تم احتلالها فى عدوان يونيو 1967، وهناك ترسانة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولى التى تقر بذلك وترفض كل الإجراءات التى أقدمت عليها القوة القائمة بالاحتلال واعتبرتها باطلة، لكن فى الوقت نفسه لا يمكن التهوين من التداعيات السياسية للقرار الأمريكى، فهى القوى الأولى فى العالم، كما أنها الطرف الوحيد الذى بمقدوره الضغط على إسرائيل وإلزامها بما يمكن الاتفاق عليه، كما أن الخشية من أن تبادر دول صغيرة فى العالم بالسير على المنهج الأمريكى، الأمر الذى يزيد من تعقيد الموقف، وقد فعلتها سريعاً دولة التشيك.
المشكلة أن رد الفعل العربى هو هو لم يتغير منذ بدأت مأساة فلسطين بصدور وعد بلفور قبل مائة عام، وقرار التقسيم قبل سبعين عاماً، الرد هو الشجب والإدانة والحركة دون خطة أو هدف معين، يحركهم الغضب دون أن تكون لديهم خطة لليوم التالى لوقف الغضب، وهو ما اعتادت عليه إسرائيل أن اتركوا العرب يغضبون، يتظاهرون، يشجبون، ثم يصمتون، ويمر ما كانوا يرفضون بعد ذلك يتعاملون معه باعتباره أمراً واقعاً، خذ على سبيل المثال قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 181 لعام 1947 وكان يقسم أرض فلسطين إلى دولة يهودية على مساحة 54% من الأرض، ودولة عربية على مساحة 45%، والباقى 1% وهو مدينة القدس يجرى تدويلها، رفض العرب القرار، وشنوا حرب 1948، هُزموا فيها هزيمة نكراء، فتوسعت العصابات اليهودية واحتلت نصف المساحة المخصصة للدولة العربية، وضمتها للدولة اليهودية التى أصبحت مساحتها 78% من أرض فلسطين، ثم شنت إسرائيل عدوان الخامس من يونيو 1967، واحتلت باقى المساحة وهى الضفة الغربية، وداخلها القدس الشرقية، وأيضا قطاع غزة. جرت عدة محاولات جادة للتسوية السياسية، منها مؤتمر مدريد، مفاوضات أوسلو واتفاق التسوية المرحلية، الذى أسقطته حركة حماس بعملياتها الانتحارية فى قلب المدن الإسرائيلية.
فى تقديرى أن أكثر المحاولات جدية كانت مفاوضات كامب ديفيد الثانية فى يوليو من عام 2000 بين الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت إيهود باراك برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون. اتسمت هذه المفاوضات بالجدية والشمول وتناولت على مدار اجتماعات مغلقة، مدتها أسبوعان، القضايا والتفاصيل كافة، واصطدمت بصخرة القدس وتحطمت على هذه الصخرة، رغم أن كلينتون طرح حلولاً وسطاً فى هذه القضية تنهض على إعادة تقسيم المدينة، بحيث تحصل إسرائيل على الحى اليهودى، ويذهب كل ما هو غير يهودى إلى الدولة الفلسطينية، وتوقفت المفاوضات عند نقطة تقسيم الإشراف على الأماكن المقدسة وحقوق المسلمين واليهود، وهنا رفض «عرفات» الطرح الأمريكى، ففشلت المفاوضات وعاد الموقف إلى المربع الأول، انتفاض، ثم اغتيال عرفات، ثم تدهور شديد فى العالم العربى الذى أُثخن بالجراح، فكان قرار «ترامب» تنفيذ قرار الكونجرس الصادر عام 1995 باعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية والبدء فى إجراءات نقل السفارة الأمريكية إليها.
السؤال هنا: هل هناك فرص أمام العرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من القدس والأراضى الفلسطينية؟ ذلك ما سوف نتناوله غداً بإذن الله.

No comments:

Post a Comment