Translate

Tuesday, December 19, 2017

د. عماد جاد - المصالح لا العواطف - جريدة الوطن - 19/12/2017

منذ أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعترافه بالقدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل، وأصدر أوامره بتنفيذ القرار الذى أصدره الكونجرس عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، منذ ذلك الوقت وبدأ المسئولون فى إسرائيل التحدّث عن القضية بقدر كبير من العجرفة، فقد تعاملوا مع قرار الرئيس الأمريكى كأنه قرار دولى، أو كأنهم حصلوا على اعتراف دولى بأن مدينة القدس الموحّدة باتت عاصمة إسرائيل، فالتصريحات الصادرة عن هؤلاء المسئولين تضرب عرض الحائط بأى مطالب دولية أو تحركات حتى داخل مجلس الأمن الدولى، فمندوب الدولة العبرية فى الأمم المتحدة يتحدّث بثقة زائدة عن أن لا شىء سوف يحدث فى الجلسة التى طلبت مصر عقدها لمجلس الأمن من أجل إبطال مفعول قرار الرئيس الأمريكى والتعامل مع مدينة القدس، باعتبارها مدينة فلسطينية محتلة بقوة السلاح فى حرب يونيو 1967، وصدرت عن مجلس الأمن الدولى عدة قرارات تقر بهذا الواقع، وترفض الإجراءات التى تقوم بها سلطات الاحتلال لتغيير الوضع الجغرافى والطبوغرافى فى مدينة القدس، فقد رد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، دانى دانون، على طلب مصر بعقد هذه الجلسة بالقول لا شىء سوف يتغير، القدس كانت وستظل عاصمة إسرائيل الأبدية.
طبعاً قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جاء بعد قراءة دقيقة للواقع العربى والإقليمى والدولى، واستخلاصه أن لا شىء حقيقياً سوف يحدث يؤدى إلى فشل قراره، فالواقع العربى لم يكن أسوأ مما هو قائم اليوم، واقع فلسطينى ممزق ومترهل وسلطة شاخت على مقاعدها بالفعل، كما وصف الحال أواخر زمن «مبارك»، الراحل محمد حسنين هيكل، وصراعات الكراسى تحتل الأولوية لدى بعض مسئولى الفصائل الفلسطينية، مصر تستعيد عافيتها، لكن دول الجوار أو الطرق ذهبت بعيداً ولن تعود قريباً، دول عربية أخرى همّها الأكبر إرضاء واشنطن والحصول منها على البركة والحماية، دول جوار جغرافى غير عربية ترى الوقت مواتياً لفرض حلول عملية لقضايا خلافية على حساب دول الجوار العربى (تركيا والأطماع فى الدور والمكانة والحقوق السورية والعراقية، إيران والهيمنة على عواصم عربية وتهديد الخليج، إثيوبيا ومحاولة فرض مشروع سدودها على مصر)، أكثر من ذلك، هناك دول عربية تدعم دول جوار غير عربية فى قضايا خلافية، قطر ودعم إيران وتركيا، بل وإسرائيل، قطر والسودان ودعم إثيوبيا فى مواجهة مصر.
لكل ذلك أقول إن الرد على قرار «ترامب» والتشديد على أن الضفة الغربية، وفى القلب منها القدس وقطاع غزة أراضٍ محتلة بقوة السلاح، يأتى عبر الاجتهاد لتغيير هذا الواقع، والانفتاح على دول العالم الرافضة للقرار الأمريكى، وعلى رأسها العالم اللاتينى، المهم أن ينتقل العرب من كونهم «ظاهرة صوتية»، أصحاب ذاكرة ضعيفة، إلى قوة فاعلة وفق قواعد عمل العلاقات الدولية، التى تستند إلى المصالح لا العواطف.

تعليقات الفيس بوك


No comments:

Post a Comment