Translate

Friday, December 8, 2017

د. عماد جاد - القدس.. ما العمل؟ (2) - جريدة الوطن - 9/12/2017

تكشف قراءة تاريخ القضية الفلسطينية أنها قضية الفرص الضائعة، وأن ما يرفضه العرب اليوم يطالبون بأقل منه فى اليوم التالى ولا يحصلون عليه.. تحركهم العاطفة، وتغيب عن عقولهم السياسة بكل ما تعنيه من فن إدارة الممكن، واستغلال الظروف ودخول المفاوضات بقواعدها، ويعتمدون على تهييج الشعوب ودفعها للتعبير عما يعجز القادة عن التعبير عنه. يقولون لواشنطن تحديداً فى الغرف المغلقة والاتصالات التليفونية عكس ما يصرحون به لشعوبهم، لا يتعامل معهم العالم بجدية، يعاملهم كأقرب إلى ظاهرة صوتية. يجتهدون فى خسارة الأصدقاء وفقدان الحلفاء عبر عدم تقديم قضاياهم للعالم بالشكل الصحيح، وبسبب غلبة الشعوبية على خطاباتهم وتديين قضايا قانونية وسياسية، فقد اختزلوا فلسطين فى مدينة القدس، واختزلوا الأخيرة فى المسجد الأقصى، ديّنوا القضية وحرموها من أبعادها القانونية والسياسية.
للدلالة على كل ذلك نشير إلى موقف العرب من قرار التقسيم رقم 8 لسنة 1947 والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد صدر القرار مقسماً أرض فلسطين ما بين دولة يهودية على مساحة 55% وأخرى عربية على مساحة 44% وتدويل مدينة القدس، أى جعل إدارتها دولية مع حق أصحاب كل ديانة فى الإشراف على أماكنهم المقدسة. كانت الدولة العربية تضم نحو ضعف مساحة قطاع غزة إضافة إلى مدن على الساحل مثل يافا وحيفا، والقرار كان ينص على أن الطرف الذى سوف يقبل به سوف ينضم فوراً إلى الأمم المتحدة ويتم الاعتراف به. كان زعيم الجماعات اليهودية فى ذلك الوقت، دافيد بن جوريون الذى أصبح أول رئيس للوزراء هناك، ضد القرار لأنه لا يعطى لليهود مدينة القدس إضافة إلى أماكن يهودية مقدسة فى قلب الضفة الغربية مثل مدينة الخليل، حيث قبر أبى الأنبياء إبراهيم، ولكن الرجل قرأ المشهد بدقة وعقد اجتماعاً لقادة الجماعات اليهودية المسلحة وقدم لهم تقديراً للموقف مؤداه أن اليهود يرفضون قرار التقسيم لكن إعلان الرفض سيكون مكلفاً للغاية ويحرم الدولة الوليدة من الاعتراف الدولى ومن عضوية الأمم المتحدة، وكان تقدير «بن جوريون» أن العرب سوف يحققون لليهود كل ما يتطلعون إليه، فسوف يتجهون إلى رفض قرار التقسيم، وعندها يعلن اليهود قبولهم بالقرار كخطة مرحلية، ومن ردود فعل العرب وتحركاتهم غير المدروسة سوف تحقق إسرائيل ما تريد. وافق الجميع على تقدير بن جوريون، وصدق ما توقعه، رفض العرب القرار وشجبوه، فقبل اليهود القرار، وبدأ الاعتراف الدولى بإسرائيل، تدخلت الجيوش العربية لنصرة فلسطين، فهُزمت جميعها عبر حيل وخدع القتال من هدنة وتسليح، وفى هذه الحرب فقدت الدولة العربية وفق قرار التقسيم نصف المساحة المخصصة لها، فقدت الساحل بالكامل، وتقلص قطاع غزة إلى 360 كيلومتراً مربعاً فقط، والضفة الغربية بمساحة 5500 كيلومتر مربع، ونجحت إسرائيل عبر عدوان الخامس من يونيو 1967 فى احتلال ما تبقى من فلسطين وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية وأجزاء من أراضى الأردن ولبنان.
صدر القرار (242) بعد حرب يونيو 1967 ودعا إسرائيل إلى الانسحاب من «الأراضى» التى احتلتها فى النزاع الأخير حسب النص الإنجليزى (أو «أراض» حسب النص الفرنسى الذى تتمسك به إسرائيل)، دب الخلاف والاختلاف بين الجماعات الفلسطينية المختلفة، وتصارعت الدول العربية على سقف وقاع الموقف الذى ينبغى اتباعه ما بين قبول القرار واستعادة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إضافة إلى قطاع غزة وما بين فلسطين من البحر إلى النهر، أما الجماعات والتيارات الإسلامية فاعتبرت القضية أرض وقف إسلامى لا يجوز التفريط فى شبر منها، ومعها التيار القومى الذى وصف الصراع مع إسرائيل بأنه صراع وجود لا حدود، أى مباراة صفرية لا تقبل التسوية السياسية، فى ظل هذا الأداء العربى والفلسطينى تمكنت إسرائيل من التهام مساحات كبيرة من الأراضى التى احتلتها فى عدوان يونيو 1967 عبر إقامة مستعمرات يهودية التهمت حتى الآن نحو 40% من مساحة الضفة، وفى يوليو عام 1980 أعلنت منفردة أن القدس الموحدة هى عاصمة إسرائيل الأبدية. رفض العرب، وصدرت قرارات من الأمم المتحدة ترفض الاعتراف بهذا الوضع، فقامت إسرائيل بتهويد المدينة تدريجياً وفرضت أمراً واقعاً، ثم جاء قرار الكونجرس الأمريكى عام 1995 بالاعتراف بالقدس الموحدة كعاصمة أبدية لإسرائيل فهاج العرب وشجبوا وأدانوا، ثم جاء «ترامب»، وبقراءة لتاريخ الصراع وخلافات العرب وللحظة الراهنة وحالة الانقسام الفلسطينى والوهن العربى والحسابات الخاصة بكل بلد، قرر توقيع القرار التنفيذى لقرار الكونجرس، هاج العرب وشجبوا وأنكروا ودعوا شعوبهم إلى الاحتجاج دون جديد تحت الشمس.
القدس ضاعت يوم غابت الحكمة عن العقل العربى وغابت السياسة عن الحكام، وباتت العاطفة والانفعال سيدى الموقف وجرى تديين المجال العام فى المنطقة عن عمد، ثم بدأ البعض فى الهرب من هذا التديين المبالغ فيه للمجال العام وتثبيت أركان سلطته على جثة القضية الفلسطينية، فهناك صفقات واتفاقات بين ترامب وقادة عرب.. اتخذ الرجل قراره بنقل السفارة بناء على اتصالات وتفاهمات وحسابات دقيقة أيضاً لردود الفعل العربية المتوقعة.
وللحديث بقية 

No comments:

Post a Comment