Translate

Friday, April 7, 2017

خالد منتصر - التاريخ الجنسى للإنسان - جريدة الوطن - 7/4/2017

تشرفت من خلال الصديق أسامة سلامة، رئيس تحرير سلسلة الكتاب الذهبى، بكتابة مقدمة لكتاب الأستاذ العظيم صلاح حافظ «التاريخ الجنسى للإنسان»، وهو كتاب ظل مجهولاً عشرات السنين إلى أن بعثه إلى النور ثانية الكاتب ذو العين الصحفية اللاقطة الذكية أسامة سلامة.
الكتاب فى مكتبة روز اليوسف، وهذا جزء من مقدمتى المتواضعة لهذا الكتاب الرائع، والتى أرجو أن تكون باقة ورد تليق بأستاذ تعلمت منه فن الكتابة، أستاذ طالما حاولت أن أقلده فى رشاقة أسلوبه وصفاء لغته وعمق تحليله:
«الجنس هو فن السيطرة على فقدان السيطرة!!»، جملة عبقرية للروائى البرازيلى باولو كويلو فى روايته البديعة «11 دقيقة»، لكن هل هذا الفن من الممكن أن يتناوله العلم الضابط الصارم؟ وهل تلك السيطرة على اللاسيطرة يستطيع تصويرها التاريخ الراصد الكاشف؟! هذا الكتاب الذى بين أيديكم يثبت إمكانية ذلك وبنجاح، لكن بشرط أن يمتلك المؤلف رؤية وفلسفة ومهارة ورشاقة ولغة وأسلوب وموسوعية وذكاء وزاوية لقطة وحس سخرية صلاح حافظ مؤلف الكتاب، هذا الأستاذ الأكاديمى الذى امتلك بصمة صحفية لم ولن تتكرر والتى للأسف حصرها الكثيرون فى معاركه السياسية التى ظلمت جوانب وزوايا أخرى ثرية كتب فيها من الاجتماع إلى الطب إلى الدراما، منها هذه الزاوية التى أظهرتها والتقطتها سلسلة «الكتاب الذهبى» بفطنة وحس مهنى شديد الذكاء، فعندما وقعت عيناى على هذا الكتاب الذى بين أيديكم الآن فى إحدى جولاتى الروتينية فى سور الأزبكية، لا أخفى عليكم أننى لم أصدق أن مؤلف الكتاب هو نفس الأستاذ صلاح حافظ، رئيس تحرير روز اليوسف، والذى كان ملء السمع والبصر وقتها ككاتب سياسى يخوض معارك نارية ويمثل رأس الحربة فى ثلاثى الأرق والصداع الساداتى هو وعبدالرحمن الشرقاوى وفتحى غانم، تخيلت أنه تشابه أسماء، لكنى عندما تأكدت سعدت بهذا الكنز والتهمته فى جلسة واحدة، فقد حلّق صلاح حافظ بجناحيه كما تعوّد دائماً خارج السرب، فالكتب التى كانت تتناول الجنس فى الفترة السابقة كانت معظمها كتب إثارة وكان نجم تلك الفترة واسمها اللامع فى تلك النوعية هو خليل حنا تادرس، استخدم صلاح حافظ كاميرا التاريخ لرصد علاقة الجنس بالمجتمع، الكاميرا لم تكن باردة محايدة بل كانت أقرب إلى البورتريه أو الجدارية الضخمة التى استعمل فيها ضربات فرشاته الخاصة.
التاريخ الجنسى للإنسان من الكهف إلى حبوب منع الحمل، هذا التاريخ فيه عشق ودم وصراع واتحاد وامتزاج ودسائس ومؤامرات وصفقات ومحاكمات وحروب... إلخ، لدرجة أنك تستطيع بناء على قصص هذا الكتاب، وبمنتهى الثقة، أن تضع نظرية على غرار نظرية ماركس فى التفسير الطبقى للتاريخ وتطلق عليها التفسير الجنسى للتاريخ!! بالطبع يعترض النخبويون على منح الجنس كل هذا الدور المحورى فى حركة التاريخ من صعود وهبوط، ويجدون فيه تشويهاً لتاريخ الأمم الذى غالباً هو تاريخ الحكام المكتوب من وجهة نظرهم بأقلام حلفائهم وندمانهم وحمَلة مباخرهم، أما تاريخ حرافيش الشارع بكل سخونته وبكل جموحه ونزواته، فهو تاريخ مستتر مدفون فى سابع أرض، أهم ما فى الكتاب الرسائل المتضمنة فى حكاياته التاريخية والعلمية، أهم تلك الرسائل ما كتبه صلاح حافظ فى الفصل الأول عن أن الجنس ليس غريزة منحطة، وهو كسر لتابو مقدس عندنا من أن الجنس أحط الغرائز البشرية وهى غريزة مدنسة نجسة، «عشق الجسد فانى»، لا يهم الاستحمام قبل اللقاء الجنسى كتحضير لاحتفال أو تجهيز لبهجة، المهم الاستحمام بعدها للتطهر من هذا الدنس وكأنك تتخلص من عار وتنظف آثار جريمة وتتخلص من جثة قتيل... إلى آخر تلك الثقافة التى بدايتها فحيح رغبة حاد ونهايتها إحساس ذنب مزمن. حقاً أستاذى العزيز، فالجنس هو أرقى غريزة بشرية، فهى مفتاح التواصل الإنسانى، واللغة العالمية الوحيدة التى لا تحتاج إلى قاموس أو معجم أو مترجم فورى.

No comments:

Post a Comment